الله ورسوله (إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) أي إن أصغيتم إلى قول اليهود والمنافقين ان محمدا (ص) قتل فارجعوا إلى عشائركم (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) أي يرجعوكم كفارا كما كنتم (فَتَنْقَلِبُوا) أي ترجعوا (خاسِرِينَ) لأنفسكم ، فلا خسران أعظم من أن تبدلوا الكفر بالإيمان ، والنار بالجنة (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) أي لهو أولى بأن تطيعوه ، وهو أولى بنصرتكم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) لأنه لا يجوز أن يغلب ، وغيره يجوز أن يغلب فهو إن شاء أمدّكم بأهل الأرض ، وإن شاء نصركم بإلقاء الرعب في قلوب أعدائكم.
١٥١ ـ ثم بيّن سبحانه أنّ من جملة نصرته للمؤمنين القائة الرعب في قلوب المشركين فقال : (سَنُلْقِي) أي سنقذف (فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) أي الخوف والفزع (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ) أي بشركهم بالله (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي برهانا وحجة (وَمَأْواهُمُ) أي مستقرهم (النَّارُ) يعذبون بها (وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) معناه : وبئس مقام الظالمين النار ، وروي أن الكفار دخلوا مكة كالمنهزمين مخافة أن يكون لرسول الله وأصحابه الكرة عليهم.
١٥٢ ـ ثم بيّن تعالى أنه صدقهم وعده فقال : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) معناه : وفى الله لكم بما وعدكم من النصر على عدوكم في قوله : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ) الآية وقيل : كان الوعد قول رسول الله للرماة : لا تبرحوا هذا المكان فإنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ) أي تقتلونهم (بِإِذْنِهِ) أي بعلمه (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) معناه : جبنتم عن عدوكم وكففتم (وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) أي اختلفتم (وَعَصَيْتُمْ) أمر نبيكم في حفظ المكان (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) من النصرة على الكفار وهزيمتهم ، والظفر بهم والغنيمة (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) يعني الغنيمة وهم الذين أخلوا المكان الذي رتبهم النبي (ص) فيه ، وأمرهم بلزومه (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) أراد عبد الله بن جبير ومن ثبت مكانه ، أي يقصد بجهاده إلى ما عند الله (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) معناه : رفع النصرة عنكم ووكلكم إلى أنفسكم بخلافكم للنبي (ص) فانهزمتم (لِيَبْتَلِيَكُمْ) معناه : ليختبركم ، أي يعاملكم معاملة المختبر مظاهرة في العدل ، وذلك أنه تعالى إنما يجازي عباده على ما يفعلونه دون ما قد علمه منهم (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) أي صفح عنكم بعد أن خالفتم أمر الرسول (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي ذو منّ ونعمة عليهم بنعم الدنيا والدين.
١٥٣ ـ ١٥٤ ـ ثم ذكر تعالى المنهزمين من أصحاب رسول الله يوم أحد فقال : (إِذْ تُصْعِدُونَ) معناه : ولقد عفا عنكم إذ تذهبون في وادي أحد للإنهزام فرارا من العدو (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) أي لا تقيمون على من خلفتم في الحرب ، ولا تلتفتون إليهم ، ولا يقف أحد منكم على أحد (وَالرَّسُولُ) يعني محمدا (ص) (يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) أي يناديكم من ورائكم فيقول : ارجعوا إليّ عباد الله ارجعوا إليّ أنا رسول الله (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) معناه : جعل مكان ما ترجونه من الثواب أن غمّكم بالهزيمة وظفّر المشركين بكم بغمكم رسول الله إذ عصيتموه وضيعتم أمره (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ) معناه : ولقد عفا عنكم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ، فإن عفو الله تعالى يذهب كل حزن (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) فيه ترغيب في الطاعة ، وترهيب عن المعصية (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) ومعناه : ثم وهب الله لكم أيها المؤمنون بعد ما نالكم من يوم أحد من الغم أمنة ، يعني أمنا نعاسا ، أي نوما لأن النوم يشتمل على الأمن لأن الخائف لا ينام ، ثم ذكر سبحانه أن تلك الأمنة لم تكن عامة بل كانت لأهل الإخلاص ، وبقي لأهل النفاق الخوف والسهر فقال (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) يعني المؤمنين ألقى عليهم النوم ، وكان