موعدة وعدها إياه (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ) ولا يفي بما وعد (تَبَرَّأَ مِنْهُ) وترك الدعاء له (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ) أي دعّاء كثير الدعاء والبكاء (حَلِيمٌ) صبور على الأذى ، صفوح عن الذنب.
١١٥ ـ ١١٦ ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) أي وما كان الله ليحكم بضلالة قوم بعد ما حكم بهدايتهم (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) من الأمر بالطاعة ، والنهي عن المعصية فلا يتقون فعند ذلك يحكم بضلالتهم (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعلم جميع المعلومات حتى لا يشذ شيء منها عنه (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الملك اتساع المقدور لمن له السياسة والتدبير (يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي يحيي الجماد ، ويميت الحيوان (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي ليس لكم سواه حافظ يحفظكم ، وولي يتولى أمركم ، ولا ناصر ينصركم ويدفع العذاب عنكم.
١١٧ ـ ١١٨ ـ (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) أقسم الله تعالى في هذه الآية لأن لام لقد لام القسم بأنه سبحانه قبل توبتهم وطاعاتهم ، وإنما ذكر اسم النبي (ص) مفتاحا للكلام وتحسينا له ، ولأنه سبب توبتهم وإلّا فلم يكن منه ما يوجب التوبة (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) في الخروج معه إلى تبوك (فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) وهي صعوبة الأمر ، قال جابر : يعني عسرة الزاد ، وعسرة الظهر ، وعسرة الماء ، والمراد بساعة العسرة وقت العسرة لأن الساعة تقع على كل زمان (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) عن الجهاد فهمّوا بالإنصراف من غزاتهم من غير أمر فعصمهم الله تعالى من ذلك حتى مضوا مع النبي (ص) (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) من بعد ذلك الزيغ ، ولم يرد بالزيغ ها هنا الزيغ عن الإيمان (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) تداركهم برحمته (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) معناه : خلّفوا عن غزوة تبوك لما تخلفوا هم (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) أي برحبها وما هاهنا مصدرية ، ومعناه : ضاقت عليهم الأرض مع اتساعها وهذه صفة من بلغ غاية الندم حتى كأنه لا يجد لنفسه مذهبا ، وذلك بأن النبي أمر الناس بأن لا يجالسوهم ولا يكلموهم لأنه كان نزلت توبة الناس ولم تنزل توبتهم ، ولم يكن ذلك على معنى رد توبتهم لأنهم كانوا مأمورين بالتوبة ، ولا يجوز بالحكمة رد توبة من يتوب في وقت التوبة ، لكن الله سبحانه أراد بذلك تشديد المحنة عليهم في تأخير انزال توبتهم ، وأراد بذلك استصلاحهم واستصلاح غيرهم لئلا يعودوا إلى مثله (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) هذه عبارة عن المبالغة في الغم حتى كأنهم لم يجدوا لأنفسهم موضعا يخفونها فيه (وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) أي وأيقنوا أنه لا يعصمهم من الله موضع يعتصمون به ويلجأون إليه غيره تعالى ، ومعناه : علموا أنه لا معتصم من الله إلا به ، وان لا ينجيهم من عذاب الله إلا التوبة (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) أي ثم سهّل الله عليهم التوبة حتى تابوا ، وقيل : ليتوبوا : أي ليعودوا إلى حالتهم الأولى قبل المعصية ، وقيل معناه : ثم تاب على الثلاثة وأنزل توبتهم على نبيّه صلىاللهعليهوآله ليتوب المؤمنون من ذنوبهم لعلمهم بأن الله سبحانه قابل التوبة ، قال الحسن : أما والله ما سفكوا من دم ، ولا اخذوا من مال ، ولا قطعوا من رحم ، ولكن المسلمين تسارعوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله وتخلّف هؤلاء ، وكان أحدهم تخلّف بسبب ضيعة له ، وآخر لأهله ، والآخر طلبا للراحة ، ثم ندموا وتابوا فقبل الله توبتهم (إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ) أي الكثير القبول للتوبة (الرَّحِيمُ) بعباده.
١١٩ ـ ثم خاطب الله سبحانه المؤمنين المصدّقين بالله ، المقرّين بنبوة نبيه (ص) فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أي اتقوا معاصي الله واجتنبوها (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) الذين يصدقون في اخبارهم ولا يكذبون ومعناه : كونوا على مذهب