تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) وما تنفقوا من شيء فإن الله يجازيكم به قلّ أو كثر لأنه عليم لا يخفى عليه شيء منه.
٩٣ ـ ٩٤ ـ (كُلُّ الطَّعامِ) أي كل المأكولات (كانَ حِلًّا) أي كان حلالا (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ) أي يعقوب (عَلى نَفْسِهِ) ان يعقوب أخذه وجع العرق الذي يقال له عرق النسا ، فنذر إن شفاه الله أن يحرّم العروق ولحم الإبل وهو أحب الطعام إليه (مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) معناه : ان كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل قبل أن تنزل التوراة على موسى فإنها تضمنت تحريم بعض ما كان حلالا لبني إسرائيل ، ولم يحرّم الله عليهم في التوراة وإنما حرّم عليهم بعد التوراة بظلمهم وكفرهم ، وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنبا عظيما حرّم الله عليهم طعاما طيبا ، وصب عليهم رجزا وهو الموت ، وذلك قوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها) حتى يتبين أنه كما قلت لا كما قلتم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعواكم ، فاحتج عليم بالتوراة وأمرهم بالإتيان بها وان يقرأوا ما فيها فلم يجسروا على إتيان التوراة لعلمهم بصدق النبي (ص) وبكذبهم ، وكان ذلك دليلا ظاهرا على صحة نبوة نبينا محمد (ص) إذ علم بأن في التوراة ما يدل على كذبهم من غير تعلم التوراة وقراءتها (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي فمن افترى الكذب على الله تعالى من بعد قيام الحجة وظهور البينة (فَأُولئِكَ) هم المفترون على الله الكذب (هُمُ الظَّالِمُونَ) لأنفسهم بفعل ما أوجب العقاب عليهم.
٩٥ ـ ثم بيّن تعالى أن الصدق فيما أخبر به فقال : (قُلْ صَدَقَ اللهُ) في أن كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه ، وفي أن محمدا (ص) على دين إبراهيم ، وأن دينه الإسلام (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) في استباحة لحوم الإبل وألبانها (حَنِيفاً) أي مستقيما على الدين الذي هو شريعته في حجه ونسكه وطيب مأكله ، وتلك الشريعة هي الحنيفية (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) برّأ الله تعالى إبراهيم مما كان ينسبه اليهود والنصارى إليه بزعمهم أنهم على دينه وكذلك مشركو العرب ، وأخبر أن إبراهيم كان بريئا من المشركين ودينهم.
٩٦ ـ ٩٧ ـ (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) معناه : ان أول بيت وضع للعبادة ولم يكن قبله بيت يحجّ إليه البيت الحرام (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) قيل
بكة : المسجد ، ومكة : الحرم كله يدخل فيه البيوت وهو المروي عن أبي جعفر (ع) (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) أي دلالة لهم على الله تعالى لإهلاكه كل من قصده من الجبابرة كأصحاب الفيل وغيرهم ، وباجتماع الظبي في حرمه مع الكلب والذئب فلا ينفر عنه مع نفرته عنه في غيره من البلاد ، وباستشفاء المريض بالبيت ، وبأن لا يعلوه طير إعظاما له إلى غير ذلك من الدلالات (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) أي دلالات واضحات (مَقامُ إِبْراهِيمَ) فجعل مقام إبراهيم وحده هو الآية (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) عطف على مقام إبراهيم ، وفي مقام إبراهيم دلالة واضحة لأنه حجر صلد يرى فيه أثر قدميه ، ولا يقدر أحد أن يجعل الحجر كالطين إلّا الله ثم لما بين الله فضيلة بيته الحرام عقّبه بذكر وجوب حجة الإسلام فقال : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) طريقا بنفسه وماله (وَمَنْ كَفَرَ) معناه : ومن جحد فرض الحج ولم يره واجبا (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) لم يتعبدهم بالعبادة لحاجته إليهم وإنما تعبدهم بها لما علم فيها من مصالحهم.
٩٨ ـ ٩٩ ـ (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) أي قل يا محمد لهم : (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) أي بالمعجزات التي أتاها