للنبيّ (ص) والمراد قومه ، تقديره : ولا تجادل أيها الإنسان (عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) أي يخونون أنفسهم ويظلمونها ، وإنما قال : يختانون أنفسهم وان خانوا غيرهم لأن ضرر خيانتهم كأنه راجع إليهم ، لا حق بهم ، كما تقول لمن ظلم غيره : ما ظلمت إلا نفسك (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) أي من كان كثير الخيانة وقد ألفها واعتادها والأثيم : فاعل الإثم (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) أي يكتمون عن الناس (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) ومعناه : يتسترون عن الناس بمعاصيهم في أخذ الأموال لئلا يفتضحوا في الناس ، ولا يتسترون من الله وهو مطلع عليهم وقيل معناه : يستحيون من الناس ولا يستحيون من الله (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) أي يدبرون بالليل قولا لا يرضاه الله (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) قال الحسن : حفيظا لأعمالهم وقال غيره : عالما بأعمالهم ، لا يخفى عليه شيء منها. وفي هذه الآية تقريع بليغ لمن يمنعه حياء الناس وحشمتهم عن ارتكاب القبائح ، ولا يمنعه خشية الله عن ارتكابها ، وهو سبحانه أحق أن يراقب ، وأجدر أن يحذر ، وفيها أيضا توبيخ لمن يعمل قبيحا ثم يقرف غيره به سواء كان ذلك الغير مسلما أو كافر (ها أَنْتُمْ) خطاب للذابين عن السارق (هؤُلاءِ) يعني الذين (جادَلْتُمْ) أي خاصمتم ودافعتم (عَنْهُمْ) عن الخائنين (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي لا مجادل عنهم ، ولا شاهد على براءتهم بين يدي الله يوم القيامة ، وفي هذه الآية النهي عن الدفع عن الظالم والمجادلة عنه (أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) أي من يحفظهم ويتولى معونتهم ، يعني لا يكون يوم القيامة عليهم وكيل يقوم بأمرهم ، ويخاصم عنهم.
١١٠ ـ ١١٢ ـ ثمّ بيّن تعالى طريق التلافي والتوبة مما سبق منهم من المعصية فقال : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً) أي معصية أو امرا قبيحا (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) بارتكاب جريمة وقيل : يعمل سوءا بأن يسرق أو يظلم نفسه بأن يرمي بالسرقة بريئا وقيل : المراد بالسوء الشرك ، وبالظلم ما دون الشرك (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ) أي يتوب إليه ، ويطلب منه المغفرة (يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) ان جريمتهم وإن عظمت فإنها غير مانعة من المغفرة (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ) ظاهر المعنى ونظيره : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بكسبه (حَكِيماً) في عقابه. ثم بيّن انّ من ارتكب إثما ثم قذف به غيره كيف يعظم عقابه فقال : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً) أي يعمل ذنبا على عمد أو غير عمد (أَوْ إِثْماً) أي ذنبا تعمده وقيل : الخطيئة : الشرك ، والاثم : ما دون الشرك (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) ثم ينسب ذنبه إلى بريء (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً) كذبا عظيما يتحيّر من عظمه (وَإِثْماً مُبِيناً) أي ذنبا ظاهرا بيّنا.
١١٣ ـ ١١٤ ـ ثم بيّن سبحانه لطفه برسوله ، وفضله عليه ، إذ صرف كيدهم عنه ، وعصمه من الميل إليهم ، فقال : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) قيل : فضل الله النبوة ، ورحمته : نصرته إياه بالوحي (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) لقصدت واضمرت جماعة من هؤلاء الذين تقدم ذكرهم (أَنْ يُضِلُّوكَ) المعنى : لولا حفظ الله تعالى لك ، وحراسته إياك ، لهمّت طائفة من المنافقين أن يقتلوك ويهلكوك ومثله : وهموا بما لم ينالوا (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) معناه : ان وبال ما همّوا من الإهلاك والإذلال يعود عليهم حتى استحقّوا العذاب الدائم (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) أي لا يضرّونك بكيدهم ومكرهم شيئا فإن الله حافظك وناصرك ومسددك ومؤيدك (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) أي القرآن والسنة ، واتصاله بما قبله ان المعنى كيف يضلّونك وهو ينزّل عليك الكتاب ، ويوحي