(يابِساتٍ) قد احتصدت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) أي جمع الأشراف وقصّ رأياه عليهم وقال : يا أيها الأشراف أو الجماعة (أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ) أي عبروا ما رأيت في منامي ، وبيّنوا لي الفتوى فيه وهو حكم الحادثة (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) معناه : إن كنتم عابرين للرؤيا (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) أي هذه أباطيل أحلام كاذبة لا يصح تأويلها (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ) التي هذه صفتها (بِعالِمِينَ) وانا نعلم تأويل ما يصح (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) وقوله : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) معناه : تذكر شأن يوسف وما وصاه به بعد حين من الدهر وزمان طويل ، فأتى يوسف في السجن وقال له (يُوسُفُ) أي يا يوسف (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) أي الكثير الصدق فيما تخبر به (أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ) إلى قوله (يابِساتٍ) فإن الملك رأى هذه الرؤيا واشتبه تأويلها (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ) يعني الملك وأصحابه والعلماء الذين جمعهم لتعبير رؤياه (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) تأويل رؤيا الملك (قالَ) يوسف في جوابه معبرا ومعلما : أما البقرات السبع العجاف ، والسنابل السبع اليابسات : فالسنون الجدبة ، وأما السبع السمان ، والسنابل السبع الخضر : فإنهن سبع سنين مخصبات ذوات نعمة ، وأنتم تزرعون فيها ، فذلك قوله (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) أي فازرعوا سبع سنين متوالية ، أي زراعة متوالية في هذه السنين على عادتكم في الزراعة سائر السنين (فَما حَصَدْتُمْ) من الزرع (فَذَرُوهُ) اتركوه (فِي سُنْبُلِهِ) لا تذروه ولا تدوسوه (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) وإنما أمرهم بذلك ليكون أبقى وأبعد من الفساد ، يعني ان ما أردتم أكله فدوسوه واتركوا الباقي في السنبل ، إنما أمرهم بذلك لأن السنبل لا يقع فيه سوس ولا يهلك وإن بقي مدة من الزمان ، وإذا صفي أسرع إليه الهلاك (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ) أي سبع سنين مجدبات صعاب تشتد على الناس (يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ) معناه : تأكلن فيها ما قدمتم في السنين المخصبة لتلك السنين ، وإنما أضاف الأكل إلى السنين لأنه يقع فيها (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) معناه : إلّا شيئا قليلا مما تحرزون وتدخرون (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) معناه : ثم يأتي من بعد هذه السنين الشداد عام فيه يمطر الناس ويغاثون : من الغوث والغياث ، أي ينقذون وينجون من القحط (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) الثمار التي تعصر في الخصب كالعنب والزيت والسمسم ، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وهذا القول من يوسف اخبار بما لم يسألوه منه ، ولم يكن في رؤيا الملك بل هو مما اطلعه الله تعالى عليه من علم الغيب ليكون من آيات نبوته عليهالسلام. قال البلخي : وهذا التأويل من يوسف يدل على بطلان قول من يقول : إن الرؤيا على ما عبرت أولا ، لأنهم كانوا قالوا : هي أضغاث أحلام ، فلو كان ما قالوه صحيحا لكان يوسف لا يتأولها.
٥٠ ـ ٥٣ ـ ثم أخبر سبحانه عن إخراج يوسف من السجن فقال (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) أي بيوسف الذي عبّر رؤياي (فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ) أي لما جاء يوسف رسول الملك فقال له : أجب الملك ، أبى يوسف أن يخرج مع الرسول حتى تبين براءته مما قذف به و (قالَ) للرسول (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) أي سيدك وهو الملك (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ) أي ما حالهن وما شأنهن؟ والمعنى : فاسأل الملك أن يتعرف حال النسوة (اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) ليعلم صحة براءتي ولم يفرد امرأة العزيز بالذكر حسن عشرة منه ، ورعاية أدب لكونها زوجة الملك