سورة الاسراء مكية
عدد آياتها مائة واحدى عشرة آية
١ ـ ٣ ـ (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) سبحان كلمة تنزيه وإبراء لله عزّ اسمه عما لا يليق به من الصفات ، وقد يراد به التعجيب ، عنى سبحان الذي سيّر عبده محمدا (ص) (لَيْلاً) قالوا : كان ذلك الليل قبل الهجرة بسنة (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال الحسن وقتادة : كان الإسراء في نفس المسجد الحرام (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) يعني بيت المقدس ، وإنما قال ؛ الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) أي جعلنا البركة فيما حوله من الأشجار والأثمار والنبات والأمن والخصب حتى لا يحتاجوا إلى أن يجلب إليهم وأيضا صار مقدّسا عن الشرك ، لأنه لما صار متعبّدا للأنبياء ، ودار مقام لهم ، تفرّق المشركون عنهم ، فصار مطهّرا من الشرك ؛ والتقديس : التطهير ، فقد اجتمع فيه بركات الدين والدنيا (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) أي من عجائب حججنا ، ومنها : أسراؤه في ليلة واحدة من مكة إلى هناك ، ومنها : ان أراه الأنبياء واحدا بعد واحد ، وان عرج به إلى السماء ، وغير ذلك من العجائب التي أخبر بها الناس (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوال من صدّق بذلك أو كذب (الْبَصِيرُ) بما فعل من الإسراء والمعراج (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعني التوراة (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي وجعلنا التوراة حجة ودلالة وبيانا وإرشادا لبني إسرائيل يهتدون به (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) أي أمرهم أن لا يتخذوا من دوني معتمدا يرجعون إليه في النوائب (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) أي أولاد من حملنا مع نوح في السفينة فأنجيناه من الطوفان (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) معناه : ان نوحا كان عبدا لله كثير الشكر ، وكان إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما ، أو شرب ماء حمد الله وشكر له وقال : الحمد لله ، وقيل : انه كان يقول في ابتداء الأكل والشرب : بسم الله ، وفي انتهائه : الحمد لله ، وروي عن أبي عبد الله عليهالسلام وأبي جعفر عليهالسلام : أن نوحا كان إذا أصبح وأمسى قال : اللهم إني أشهدك ان ما أصبح أو أمسى بي من نعمة في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد ولك الشكر بها عليّ حتى ترضى ، وبعد الرضا ، وهذا كان شكره.
النظم
وجه اتصال قوله : (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) بما قبله أن المعنى فيه : سبحان الذي أسرى بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وأراه الآيات كلها كما أرى موسى الآيات والمعجزات الباهرات ، وقيل : ان معناه : ان كونك نبيّا ليس ببدع ، فقد آتيناك الكتاب والحجج كما آتينا موسى التوراة ، فلم أقرّوا به وأنكروا أمرك والطريق فيهما واحد؟! وقيل : ان معناه : انهم كفروا بموسى كما كفروا بما أخبرتهم به من أسرائك.
٤ ـ ٨ ـ لمّا تقدّم أمره سبحانه لبني إسرائيل عقّب ذلك بذكر ما كان منهم ، وما جرى عليهم فقال (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي أخبرناهم وأعلمناهم (فِي الْكِتابِ) أي في التوراة (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) أي حقا لا شك فيه أن اخلافكم سيفسدون في البلاد التي تسكنونها كرتين ، وهي بيت المقدس ، كان فسادهم الأول قتل زكريا ، ثم سلّط الله عليهم سابور ذا الأكتاب ملكا من ملوك فارس في قتل زكريا ، وسلط عليهم في قتل يحيى بخت نصر وهو رجل خرج من بابل (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) أي ولتستكبرن ولتظلمن الناس ظلما عظيما ، والعلو : نظير العتو هنا وهو الجرأة على الله تعالى ، والتعرض لسخطه (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) معناه : فإذا جاء وقت أولى المرتين اللتين تفسدون فيهما (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي سلّطنا عليكم عبادا لنا