٩ ـ ١٢ ـ (أَمْ حَسِبْتَ) معناه : بل أحسبت يا محمد (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) فلخلق السماوات والأرض أعجب من هذا والمراد بالكهف كهف الجبل الذي آوى إليه القوم الذين قصّ الله أخبارهم والرقيم : اسم الوادي الذي كان فيه الكهف ، عن ابن عباس والضحاك ، وقيل : الكهف غار في الجبل ، والرقيم الجبل نفسه ، عن الحسن (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) أي اذكر لقومك إذ التجأ أولئك الشبان إلى الكهف ، وجعلوه مأواهم هربا بدينهم إلى الله (فَقالُوا) حين آووا إليه (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي نعمة ننجو بها من قومنا ، وفرّج عنّا ما نزل بنا (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) أي واصلح لنا من أمرنا ما نصب به الرشاد وقيل : هيىء لنا مخرجا من النار في سلامة ، عن ابن عباس ، وقيل معناه : دلنا على أمر فيه نجاتنا ، وقيل : يسّر لنا من أمرنا ما نلتمس به رضاك وهو الرشد. وهؤلاء الفتية قوم آمنوا بالله تعالى وكانوا يخفون الإسلام خوفا من ملكهم ، وكان اسم الملك دقيانوس ، واسم مدينتهم أفسوس ، وكان ملكهم يعبد الأصنام ويدعو إليها ويقتل من خالفه ، وكانوا من خواص الملك ، وكان يسرّ كل واحد منهم إيمانه عن صاحبه ، ثم اتفق انهم اجتمعوا وأظهروا أمرهم فأووا إلى الكهف ، وكانوا قبل بعث عيسى (ع) (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) معناه : أنمناهم سنين ذات عدد ، وتأويله : فأجبنا دعاءهم ، وسددنا آذانهم بالنوم الغالب على نفوذ الأصوات إليها سنين كثيرة ، لان النائم انما ينتبه بسماع الصوت ، ودل سبحانه بذلك على انهم لم يموتوا وكانوا نياما في أمن وراحة وجمام نفس ، وهذا من فصيح لغات القرآن التي لا يمكن أن يترجم بمعنى يوافق اللفظ (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أي أيقظناهم من نومهم (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) المعنى : لننظر أي الحزبين من المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف عدّ أمد لبثهم ، وعلم ذلك ، وكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف بعد خروجهم من بيتهم ، فبعثهم الله ليبين ذلك ويظهر. وقيل : يعني بالحزبين أصحاب الكهف لما استيقظوا اختلفوا في تعداد لبثهم وذلك قوله : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) ، الآية.
١٣ ـ ١٦ ـ ثم بيّن سبحانه قصة أصحاب الكهف فقال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ) أي خبرهم (بِالْحَقِ) أي بالصدق والصحة (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) أي أحداث وشباب (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) أي بصيرة في الدين ، ورغبة في الثبات عليه بالألطاف المقوّية لدواعيهم إلى الإيمان وحكم لهم سبحانه بالفتوة لأن رأس الفتوة الإيمان وقيل : الفتوة الإيمان وقيل : الفتوة : بذل الندى ، وترك الأذى ، وترك الأذى ، وترك الشكوى (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) أي شددنا عليها بالألطاف والخواطر القويّة للإيمان حتى وطنوا أنفسهم على إظهار الحق ، والثبات على الدين ، والصبر على المشاق ، ومفارقة الوطن (إِذْ قامُوا) أي حين قاموا بين يدي ملكهم الجبار دقيانوس الذي كان يفتن أهل الإيمان عن دينهم (فَقالُوا) بين يديه (رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ربنا الذي نعبده خالق السماوات والأرض (لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) أي لن نعبد إلها سواه معه (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) معناه : إن دعونا مع الله إلها آخر فلقد قلنا إذا قولا مجاوزا للحق ، غاية في البطلان (هؤُلاءِ قَوْمُنَا) أي أهل بلدنا (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) أي من دون الله (آلِهَةً) يعبدونها (لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) هلّا يأتون على عبادتهم غير الله بحجّة ظاهرة (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فزعم ان له شريكا في العبادة (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) قال إبن عباس : وهذا من قول تمليخا وهو رئيس