وشاهدوا ملكوت السموات (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) أي سدت وغطيت (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) سحرنا محمد (ص) فلا ننظر ببصر ، ويخيّل الأشياء إلينا على خلاف حقيقتها ، ثم ذكر سبحانه دلالات التوحيد فقال سبحانه (وَلَقَدْ جَعَلْنا) أي خلقنا وهيأنا (فِي السَّماءِ بُرُوجاً) أي منازل الشمس والقمر (وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) بالكواكب النيرة (وَحَفِظْناها) أي وحفظنا السماء (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) أي مرجوم مرمي بالشهب (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) والسرقة عند العرب أن يأتي الإنسان إلى حرز خفية فيأخذ ما ليس له ، والمراد بالسمع هنا المسموع والمعنى : إلا من حاول أخذ المسموع من السماء في خفية (فَأَتْبَعَهُ) أي لحقه (شِهابٌ مُبِينٌ) أي شعلة نار ظاهر لأهل الأرض ، بيّن لمن رأه ، ونحن في رأي العين نرى كأنهم يرمون بالنجوم ، والشهاب : عمود من نور يضيء ضياء النار لشدة ضيائه ، وروي عن ابن عباس أنه قال : كان في الجاهلية كهنة ، ومع كل واحد شيطان ، فكان يقعد من السماء مقاعد للسمع فيستمع من الملائكة ما هو كائن في الأرض فينزل ويخبر به الكاهن ، فيفشى الكاهن إلى الناس.
١٩ ـ ٢٥ ـ لما تقدم ذكر السماء وما فيها من الأدلة والنعم أتبعه بذكر الأرض فقال (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) أي بسطناها وجعلنا لها طولا وعرضا (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) أي طرحنا فيها جبالا ثابتة (وَأَنْبَتْنا فِيها) أي في الأرض (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) أي مقدر معلوم وقيل : يعني بذلك كل ما تخرجه الأرض ، عن أبي مسلم قال : وإنما خصّ الموزون بالذكر دون المكيل لوجهين : (احدهما) ان غاية المكيل تنتهي إلى الوزن ، لأن جميع المكيلات إذا صار طعاما دخل في الوزن ، فالوزن أهم (والآخر) ان في الوزن معنى الكيل ، لأن الوزن طلب المساواة ، وهذا المعنى ثابت في الكيل (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) أي خلقنا لكم في الأرض معايش من زرع ونبات (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) يعني العبيد والدواب يرزقهم الله ولا ترزقونهم (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) أي وليس من شيء ينزل من السماء ، وينبت من الأرض (إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) معناه : إلا ونحن مالكوه والقادرون عليه ، وخزائن الله سبحانه : مقدوراته لأنه تعالى يقدر أن يوجد ما شاء من جميع الأجناس ، ويقدر من كل جنس على ما لا نهاية له وقيل المراد به الماء الذي منه النبات وهو مخزون عنده إلى أن ينزله ونبات الأرض وثمارها إنما تنبت بماء السماء وقال الحسن المطر خزائن كل شيء (وَما نُنَزِّلُهُ) أي وما ننزل المطر (إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) تقتضيه الحكمة ثم بيّن سبحانه كيفية الإنزال فقال (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) أي أجرينا الرياح لواقح ، أي ملقحة للسحاب ، محملة بالمطر (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) أي مطرا (فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) أي فأسقيناكم ذلك الماء ومكناكم منه (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) أي وما أنتم أيها الناس له بحافظين ولا محرزين ، بل الله يحفظه ثم يرسله من السماء ، ثم يحفظه في الأرض ، ثم يخرج من العيون بقدر الحاجة ، ولا يقدر أحد على إحراز ما يحتاج إليه من الماء في موضع (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) أخبر سبحانه أنه يحيي الخلق إذا شاء ، ويميتهم إذا أراد (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) الأرض ومن عليها ، أخبر أنه يرث الأرض لأنه إذا أفنى الخلق ولم يبق أحد كانت الأشياء كلها راجعة إليه ، يتفرد بالتصرف فيها (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) معناه : ولقد علمنا الماضين منكم ، ولقد علمنا الباقين عن مجاهد (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) معناه : ان ربك يا محمد أو أيها السامع هو الذي يجمعهم يوم القيامة ، ويبعثهم بعد إماتتهم للمجازاة والمحاسبة (إِنَّهُ حَكِيمٌ) في أفعاله (عَلِيمٌ) بما استحق كل منهم.
٢٦ ـ ٣٥ ـ لما ذكر سبحانه الإحياء والإماتة ، والنشأة الثانية ، عقّبه ببيان النشأة الأولى فقال : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ)