عليه ما يجري بينكم ثم ذكر سبحانه ما خصّ به نبيه (ص) من النعم فقال (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) وقد تقدم الكلام فيه ، وان السبع المثاني هي فاتحة الكتاب (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) تقديره : وآتيناك القرآن العظيم ، وصفه بالعظيم لأنه يتضمن جميع ما يحتاج إليه من أمور الدين بأوجز لفظ ، وأحسن نظم ، وأتم معنى (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) أي لا ترفعن عينيك من هؤلاء الكفار إلى ما متعناهم ، وأنعمنا عليهم به من الأموال والأولاد وغير ذلك من زهرات الدنيا فإنها في معرض الزوال والفناء مع ما يتبعها من الحساب والجزاء وقيل : ان معناه : لا تنظرنّ إلى ما في أيديهم من النعم التي هي أشباه يشبه بعضها بعضا فإن ما أنعمنا عليك وعلى من اتبعك من أنواع النعم وهي النبوة والقرآن والإسلام والفتوح وغيرها أكثر وأوفر مما آتيناهم ؛ نهى رسوله عن الرغبة في الدنيا فحظر عليه أن يمد عينيه إليها ، وكان رسول الله لا ينظرن إلى ما يستحسن من الدنيا (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أي على كفار قريش إن لم يؤمنوا ونزل بهم العذاب (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي ألن لهم جانبك ، وارفق بهم عن ابن عباس ، والعرب تقول : فلان خافض الجناح إذا كان وقورا حليما ، وأصله أن الطائر إذا ضمّ فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثم خفضه ، فالمعنى : تواضع للمؤمنين لكي يتبعك الناس في دينك (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) معناه : وقل اني أنا المعلم بموضع المخافة ليتقى ، المبين لكم ما تحتاجون إليه ، وما أرسلت به إليكم (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) معناه : أنزلنا القرآن عليك كما أنزلنا على المقتسمين وهم اليهود والنصارى (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) أي فرقوه وجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور ، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه ، آمنوا بما وافق دينهم ، وكفروا بما خالف دينهم.
٩٢ ـ ٩٩ ـ لمّا بيّن سبحانه كفرهم بالقرآن وتعضيتهم له ، بيّن عقيب ذلك لنبيّه صلىاللهعليهوآله أنه يسألهم عما فعلوه ويجازيهم عليه فقال (فَوَ رَبِّكَ) يا محمد (لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) أقسم بنفسه وأضاف نفسه إلى نبيه (ص) تشريفا له ، وتنبيها للخلق على عظيم منزلته عنده ، لنسألن هؤلاء الكفار سؤال توبيخ وتقريع بأن نقول لهم لم عصيتم ، وما حجتكم في ذلك؟ فيظهر عند ذلك خزيهم وفضيحتهم عند تعذر الجواب (عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) معناه : عما عملوا (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أي اظهر واعلن وصرّح بما أمرت به غير خائف عن ابن عباس وابن جريج ومجاهد وابن زيد ، وقيل معناه : فافرق بين الحق والباطل بما أمرت به ، عن الجبائي والأخفش ، وقيل : أبن ما تؤمر به وأظهره ، عن الزجاج قال : وتأويل الصدع في الزجاج وفي الحائط أن تبين بعض الشيء عن بعض (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) أي لا تخاصمهم إلى أن تؤمر بقتالهم ، وقيل معناه : ولا تلتفت إليهم (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) أي كفيناك شر المستهزئين واستهزائهم بأن أهلكناهم ، وكانوال خمسة نفر من قريش العاص بن وائل ، والوليد بن المغيرة ، وأبو زمعة وهو الأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث ، والحرث بن قيس. ثم وصفهم سبحانه بالشرك فقال (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي اتخذوا معه إلها يعبدونه (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) هذا وعيد لهم وتهديد (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ) يا محمد (يَضِيقُ صَدْرُكَ) أي قلبك (بِما يَقُولُونَ) من تكذيبك ، والإستهزاء بك ، وهذا تعزية من الله تعالى لنبيه ، وتطييب لقلبه (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي قل سبحان الله وبحمده (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) أي المصلين عن ابن عباس قال : وكان رسول الله (ص) إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) أي إلى أن يأتيك الموت.