معصية (وَلَكُمْ) يا معشر اليهود والنصارى (ما كَسَبْتُمْ) أي ما عملتم من طاعة أو معصية (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) أي لا يقال لكم اعملوا كذا على جهة المطالبة لكم بما يلزمهم من أجل أعمالهم كما لا يقال لهم : لم عملتم أنتم كذا وكذا ، وإنما يطالب كل إنسان بعمله دون عمل غيره ، كما قال سبحانه : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى). وفي الآية دلالة على بطلان قول المجبرة أن الأبناء مؤاخذون بذنوب الآباء.
١٣٥ ـ (وَقالُوا) الضمير يرجع إلى اليهود والنصارى ، أي قالت اليهود (كُونُوا هُوداً أَوْ) وقالت النصارى : كونوا (نَصارى) كل فريق منهم دعا إلى ما هو عليه ، ومعنى (تَهْتَدُوا) أي تصيبوا طريق الحق (قُلْ) يا محمد (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) أي بل نتبع دين إبراهيم (حَنِيفاً) مستقيما والحنيفية : إتباع إبراهيم فيما أتى به من الشريعة التي صار بها إماما للناس بعده من الحج والختان وغير ذلك من شرائع الإسلام (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي وما كان إبراهيم من المشركين ، نفى الشرك عن ملته وأثبته في اليهود والنصارى حيث قالوا : عزير ابن الله والمسيح ابن الله.
١٣٦ ـ (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) خطاب للمسلمين أمرهم الله تعالى بإظهار ما تدينوا به من الشرع ، فبدأ بالإيمان بالله لأنه أول الواجبات ، ولأنه بتقدم معرفته تصح معرفة النبوات والشرائع (وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) يعني القرآن نؤمن بأنه حق وصدق وواجب اتباعه (وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) قال قتادة : هم يوسف وإخوته بنو يعقوب ، ولد كل واحد منهم أمة من الناس فسموا الأسباط. وقوله : (وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى) أي أعطيا وخصهما بالذكر لأنه احتجاج على اليهود والنصارى ، والمراد بما أوتي موسى التوراة ، وبما أوتي عيسى الإنجيل (وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ) أي ما أعطيه النبيون (مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) أي بأن نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعله اليهود والنصارى ، فكفرت اليهود بعيسى ومحمد ، وكفرت النصارى بسليمان ونبينا محمد (ص) (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) خاضعون بالطاعة ، مذعنون بالعبودية.
١٣٧ ـ (فَإِنْ آمَنُوا) أخبر الله سبحانه أن هؤلاء الكفار متى آمنوا على حد ما آمن المؤمنون به (فَقَدِ اهْتَدَوْا) إلى طريق الجنة (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي أعرضوا عن الإيمان وجحدوه ولم يعترفوا به (فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) أي في خلاف قد فارقوا الحق ، وتمسكوا بالباطل فصاروا مخالفين لله سبحانه (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) وعد الله سبحانه رسوله بالنصرة وكفاية من يعاديه من اليهود والنصارى الذين شاقوه ، وفي هذا دلالة بينة على نبوته وصدقه (ص) المعنى أن الله سبحانه يكفيك يا محمد أمرهم (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بأعمالهم في إبطال أمرك ولن يصلوا إليك.
١٣٨ ـ (صِبْغَةَ اللهِ) أي اتبعوا دين الله روي عن الصادق (ع) قال : يعني به الإسلام (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) أي لا أحد أحسن من الله صبغة (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) في اتباعنا ملة إبراهيم صبغة الله.
١٣٩ ـ أمر الله سبحانه نبيه (ع) في هذه الآية أن يقول لهؤلاء اليهود وغيرهم (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) ومعناه : في دين الله ، أي أتخاصموننا وتجادلوننا فيه وهو سبحانه خالقنا ، والمنعم علينا ، وخالقكم والمنعم عليكم (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) أي خالقنا وخالقكم ، فهو أعلم حيث يجعل رسالته ومن الذي يقوم بأعبائها ويتحملها على وجه يكون أصلح للخلق ، وأولى بتدبيرهم وقوله (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) أي لنا ديننا ولكم دينكم (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) أي موحدون ، والمراد بذلك ان المخلص أولى بالحق من المشرك.