في مستقبل عمرنا كما جعلتنا مسلمين في ماضي عمرنا ، بأن توفقنا وتفعل بنا الألطاف التي تدعونا إلى ترك الإمتناع ، وقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) أي واجعل من ذريتنا ، أي من أولادنا ، أمة مسلمة لك ، أي جماعة موحدة منقادة لك ، يعني أمة محمد (ص) ، بدلالة قوله : (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) وقوله (وَأَرِنا مَناسِكَنا) أي عرفنا هذه المواضع التي تتعلق النسك بها لنفعله عندها ونقضي عباداتنا فيها (وَتُبْ عَلَيْنا) قالا هذه الكلمة على وجه التسبيح والتعبد والانقطاع إلى الله سبحانه ليقتدي بهما الناس فيها (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ) أي القابل للتوبة من عظائم الذنوب (الرَّحِيمُ) بعباده ، المنعم عليهم بالنعم العظام ، وتكفير السيئات والآثام.
(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) هو نبينا (ص) لما روي عنه أنه قال : انا دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى عليهماالسلام (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ) أي يقرأ عليهم آياتك التي توحي بها إليه (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) أي القرآن وقوله (وَالْحِكْمَةَ) العلم بالأحكام التي لا يدرك علمها إلّا من قبل الرسل (وَيُزَكِّيهِمْ) أي يجعلهم مطيعين مخلصين (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي القوي في كمال قدرتك ، المنيع في جلال عظمتك ، المحكم لبدائع صنعتك.
١٣٠ ـ لما بين سبحانه قصة إبراهيم وإن ملته ملة محمد عقبه بذكر الحثّ على اتباعها فقال : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) أي لا يترك دين إبراهيم وشريعته إلّا من أهلك نفسه وأوبقها (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) أي اخترناه بالرسالة واجتبيناه (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) أي من الفائزين.
١٣١ ـ هذا متصل بقوله : ولقد اصطفيناه ومعنى أسلم : أخلص دينك بالتوحيد ، وقوله : (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي أخلصت الدين لله رب العالمين.
١٣٢ ـ لما بين عزّ اسمه دعاء إبراهيم (ع) لذريته ، وحكم بالسفه على من رغب عن ملته ، ذكر اهتمامه بأمر الدين ، وعهده به إلى نبيه في وصيته فقال : (وَوَصَّى بِها) أي بالملة ، أو بالكلمة التي هي قوله : (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ويؤيد هذا قوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) وقيل : بكلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله (إِبْراهِيمُ بَنِيهِ) إنما خص البنين لأن إشفاقه عليهم أكثر ، وهم بقبول وصيته أجدر ، وإلا فمن المعلوم أنه كان يدعو جميع الأنام إلى الإسلام ، (وَيَعْقُوبُ) وهو ابن إسحاق ، والمعنى : ووصى يعقوب بنيه الاثني عشر وهم الأسباط (يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) أي فقالا جميعا : يا بني إن الله اختار لكم دين الإسلام (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي لا تتركوا الإسلام فيصادفكم الموت على تركه.
١٣٣ ـ خاطب سبحانه أهل الكتاب فقال : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) أي ما كنتم حضورا (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) وما كنتم حضورا (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) ومعناه : إنكم لم تحضروا ذلك فلا تدعوا على أنبيائي ورسلي الأباطيل بأن تنسبوهم إلى اليهودية والنصرانية فإني ما بعثتهم إلّا بالحنيفية ، وذلك أن اليهود قالوا : إن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية ، فرد الله تعالى عليهم قولهم : (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) وإنما قدم ذكر إسماعيل على إسحاق لأنه أكبر منه ، وإسماعيل كان عمّ يعقوب وجعله أبا له لأن العرب تسمي العم أبا ، كما تسمي الجدّ أبا ، وذلك لأنه يجب تعظيمهما كتعظيم الأب (إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) خاضعون منقادون مستسلمون لأمره ونهيه.
١٣٤ ـ (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) أي جماعة قد مضت ، يعني إبراهيم وأولاده (لَها ما كَسَبَتْ) أي ما عملت من طاعة أو