١٥٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) هم الكفار وأصناف المشركين (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) هذا خطاب للنبي (ص) ، واعلام له أنه ليس منهم في شيء ، وأنه على المباعدة التامة من أن يجتمع معهم في معنى من مذاهبهم الفاسدة ، وليس كذلك بعضهم مع بعض لأنّهم يجتمعون في معنى من المعاني الباطلة وان افترقوا في غيره (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) في مجازاتهم على سوء أفعالهم (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ) أي يخبرهم ويجازيهم (بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) يوم القيامة ، فيظهر المحق من المبطل.
١٦٠ ـ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) أي من جاء بالخصلة الواحدة من خصال الطاعة فله عشر أمثالها من الثواب (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) بالخصلة الواحدة من خصال الشر (فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) وذلك من عظيم فضل الله تعالى وجزيل إنعامه على عباده حيث لا يقتصر في الثواب على قدر الإستحقاق بل يزيد عليه ، وربما يعفو عن ذنوب المؤمن (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بالزيادة على مقدار ما استحقّوا من العقاب.
١٦١ ـ ١٦٣ ـ ثم أمر الله نبيّه (ص) فقال : (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار وللخلق جميعا (إِنَّنِي هَدانِي) أي دلّني وأرشدني (رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وقيل أراد لطف لي ربي في الإهتداء ووفقني لذلك ، وقد بينا معنى الصراط المستقيم في سورة الحمد (دِيناً قِيَماً) أي مستقيما على نهاية الإستقامة وقيل : ثابتا دائما لا ينسخ (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) وإنما وصف دين النبي بأنه ملة إبراهيم ترغيبا فيه للعرب لجلالة إبراهيم في نفوسها ونفوس كل أهل الأديان ، ولانتساب العرب إليه ، وإتفاقهم على أنه كان على الحق (حَنِيفاً) أي مخلصا في العبادة لله (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يعني إبراهيم كان يدعو إلى عبادة الله ، وينهى عن عبادة الأصنام (قُلْ إِنَّ صَلاتِي) قد فسّرنا معنى الصلاة فيما تقدم (وَنُسُكِي) ديني (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) أي حياتي وموتي (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وإنما جمع بين صلاته وحياته واحدهما من فعله والآخر من فعل الله لأنهما جميعا بتدبير الله (لا شَرِيكَ لَهُ) أي لا شريك له في العبادة ، وفي الإحياء والإماتة (وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) أي وبهذا أمرني ربي (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) من هذه الأمة ، فإن إبراهيم كان أول المسلمين ومن بعده تابع له في الإسلام ـ وفيه بيان فضل الإسلام ، وبيان وجوب اتباعه على الإسلام إذ كان صلىاللهعليهوآله أوّل من سارع إليه.
١٦٤ ـ ١٦٥ ـ (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار على وجه الإنكار (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) وتقديره : أيجوز أن أطلب غير الله ربا واطلب الفوز بعبادته وهو مربوب مثلي ، واترك عبادة من خلقني ورباني وهو مالك كل شيء وخالقه ومدبره وليس بمربوب؟ أم هذا قبيح في العقول ، وهو لازم لكم على عبادتكم الأوثان (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) أي لا تكسب كل نفس جزاء كل عمل من طاعة أو معصية إلا عليها ، فعليها عقاب معصيتها ، ولها ثواب طاعتها (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا يحمل أحد ذنب غيره ومعناه : ولا يجازى أحد بذنب غيره (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) أي مآلكم ومصيركم (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أي يخبركم بالحق فيما اختلفتم فيه ، فيظهر المحسن من المسيء (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) أخبر سبحانه أنه الذي جعل الخلق خلائف الأرض ومعناه : ان أهل كل عصر يخلف أهل العصر الذي قبله ، كلما مضى قرن خلفهم قرن ، يجري ذلك على انتظام واتساق حتى تقوم