٦٨ ـ ٧٠ ـ ثم حكى الله سبحانه عن صنف من الكفار أنهم أضافوا إليه اتخاذ الولد وهم طائفتان (أحدهما) كفار قريش والعرب فإنهم قالوا الملائكة بنات الله (والأخرى) النصارى الذين قالوا : المسيح ابن الله فقال سبحانه (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) وإنما قال : قالوا : وإن لم يكن سبق ذكرهم لأنهم كانوا بحضرة النبي (ص) ، وكان يعرفهم ، وتصح الكناية عن المعلوم كما تصح عن المذكور (سُبْحانَهُ) أي تنزيها عما قالوا (هُوَ الْغَنِيُ) عن اتخاذ الولد ، ثم بين سبحانه الوجه فيه فقال (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ومعناه : إذا كان له ما في السماوات وما في الأرض ملكا وملكا وخلقا فهو الغني عن اتخاذ الولد ، لأن الإنسان إنما يتخذ الولد ليتقوى به من ضعف ، أو ليستغني به من فقر ، والله سبحانه منزّه عن ذلك ، وإذا استحال اتخاذ الولد حقيقة عليه سبحانه استحال عليه اتخاذ الولد على وجه التبني (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا) أي ما عندكم من حجة وبرهان بهذا (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) هذا توبيخ من الله سبحانه لهم على قولهم ذلك ، ثم بيّن سبحانه الوعيد لهم على ذلك فقال (قُلْ) يا محمد (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ) أي يكذبون (عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) باتخاذ الولد وغير ذلك (لا يُفْلِحُونَ) أي يفوزون بشيء من الثواب (مَتاعٌ فِي الدُّنْيا) معناه : لهم متاع في الدنيا يتمتعون به أياما قلائل ثم تنقضي وقوله (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) أي ثم إلى حكمنا مصيرهم (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ) وهو عذاب النار (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) أي بكفرهم.
٧١ ـ ٧٣ ـ ثم أمر الله سبحانه نبيّه (ص) أن يقرأ عليهم أخبار نوح فقال (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ) أي خبره (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) الذين بعث إليهم (يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي) أي شقّ وعظم عليكم اقامتي بين أظهركم (وَتَذْكِيرِي) أي وعظي وتنبيهي إياكم (بِآياتِ اللهِ) أي بحججه وبيناته على صحة التوحيد والعدل والنبوة والمعاد ، وبطلان ما تدينون به (فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) جعله جواب الشرط مع أنه متوكل عليه في جميع أحواله ليبين لهم أنه متوكل في هذا التفصيل لما في اعلامه ذلك من زجرهم عنه لأن الله تعالى يكفيه أمرهم ومعناه : فإلى الله فوّضت أمري ، وبه وثقت أن يكفيني أمركم (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) معناه : فاعزموا على أمركم مع شركائكم ، واتفقوا على أمر واحد من قتلي وطردي ، وقيل : أراد بالشركاء الأوثان التي كانوا يعبدونها من دون الله ، وقيل : أراد من شاركهم في دينهم (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) معناه : ليكن أمركم ظاهرا مكشوفا ، ولا يكوننّ مغطى مبهما مستورا من غممت الشيء : إذا سترته (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) أي انهضوا إليّ فاقتلوني ان وجدتم إليه سبيلا ولا تؤخروني ولا تمهلوني عن ابن عباس ، وقيل معنى اقضوا إليّ : افعلوا ما تريدون ، وادخلوا إليّ فاقتلوني ان وجدتم إليه سبيلا ولا تؤخروني ولا تمهلوني عن ابن عباس ، وقيل معنى اقضوا إليّ : افعلوا ما تريدون ، وادخلوا إليّ لأنه بمعنى افرغوا من جميع حيلكم كما يقال : خرجت اليك من العهدة ، وقيل معناه : توجّهوا إليّ. وهذا كان من معجزات نوح عليهالسلام انه كان وحيدا مع نفر يسير وقد اخبر بأنهم لا يقدرون على قتله ، وعلى أن ينزلوا به سوءا لأن الله تعالى ناصره وحافظه عنهم (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي ذهبتم عن الحق واتباعه ولم تقبلوه ، ولم تنظروا فيه (فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) أي لا أطلب منكم أجرا على ما أؤديه إليكم من الله فيثقل ذلك عليكم (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) أي ما أجري ألا على الله في القيام بأداء الرسالة (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي أمرني الله بأن أكون من المستسلمين لأمر الله بطاعته ثقة بأنها خير ما يكتسبه العباد (فَكَذَّبُوهُ) يعني أنهم كذبوا نوحا أي نسبوه إلى الكذب فيما يذكره من أنه نبي الله وان الله بعثه إليهم ليدعوهم إلى طاعته (فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) أي في السفينة (وَجَعَلْناهُمْ