وحجة ظاهرة على اتمّ ما يمكن (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي قومه (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) وتركوا أمر الله تعالى (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) أي مرشد ومعناه : ما هو بهاد لهم إلى رشد ، ولا قائد إلى خير (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يعني أن فرعون يمشي بين يدي قومه يوم القيامة على قدميه حتى يهجم بهم على النار (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) على لفظ الماضي والمراد به المستقبل ، لأن ما عطفه عليه من قوله : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يدل عليه (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) أي بئس الماء الذي يردونه عطاشا لإحياء نفوسهم النار إنما اطلق سبحانه على النار اسم الورد المورود ليطابق ما يرد عليه أهل الجنة من الأنهار والعيون ، وقيل معناه : بئس المدخل المدخول فيه النار وقيل : بئس الشىء الذي يرده النار وقيل : بئس النصيب المقسوم لهم النار ، وانه اطلق لفظ بئس وإن كان عدلا حسنا لما فيه من البؤس والشدة (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ) يعني الحقوا في الدنيا (لَعْنَةً) وهي الغرق (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) يعني ولعنة يوم القيامة وهي عذاب الآخرة (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) أي بئس العطاء المعطى النار واللعنة ، وإنما سمّاه رفدا لأنه في مقابلة ما يعطي أهل الجنة من أنواع النعيم. وقال قتادة ترافدت عليهم لعنتان من الله : لعنة في الدنيا ، ولعنة في الآخرة ، وسأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله : (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) قال هو اللعنة بعد اللعنة (ذلِكَ) أي ذلك النبأ (مِنْ أَنْباءِ الْقُرى) أي من أخبار البلاد (نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) أي نذكره لك ونخبرك به تذكرة وتسلية لك يا محمد (مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) أي من تلك الديار معمور وخراب قد اتى عليه الإهلاك ولم يعمر فيما بعد (وَما ظَلَمْناهُمْ) باهلاكهم (وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بأن كفروا وارتكبوا ما استحقّوا به الهلاك فكان ذلك ظلمهم لأنفسهم (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ) أي أوثانهم (الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) أي عذاب ربك (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) أي غير تخسير عن مجاهد وقتادة ، والمعنى : لم يزيدوهم شيئا غير الهلاك والخسار ، وإنما أضاف الاهلاك إلى الأصنام لأنها السبب في ذلك ، ولو لم يعبدوها لم يهلكوا ، وإنما قال : (يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) لأنهم كانوا يسمّونها آلهة ، ويطلبون الحوائج منها ، كما يطلبها الموحدون من الله (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ) أي وكما ذكر من اهلاك الأمم وأخذهم بالعذاب أخذ ربك (إِذا أَخَذَ الْقُرى) أي أخذ أهلها وهو أن ينقلهم إلى العقوبة (وَهِيَ ظالِمَةٌ) من صفة القرى وهو في الحقيقة لأهلها وسكانها ونحوه : وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) معناه : إن أخذ الله سبحانه الظالم مؤلم شديد الألم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي انّ فيما قصصنا عليك من اهلاك من ذكرناه على وجه العقوبة لهم على كفرهم لعبرة وتبصرة وعلامة عظيمة (لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) أي لمن خشي عقوبة الله يوم القيامة ، وخصّ الخائف بذلك لأنه هو الذي ينتفع به بالتدبر والتفكر فيه (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) أي يجمع فيه الناس كلهم الأولون والآخرون منهم للجزاء والحساب (وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) أي يشهده الخلائق كلهم من الجن والإنس ، وأهل السماء وأهل الأرض.
١٠٤ ـ ١٠٨ ـ ثم أخبر سبحانه عن اليوم المشهود وهو يوم القيامة فقال (وَما نُؤَخِّرُهُ) أي وما نؤخر هذا اليوم (إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) وهو أجل قد عدّه الله تعالى لعلمه أن صلاح الخلق في ادامة التكليف عليهم إلى ذلك الوقت ، وفيه إشارة إلى قربه لأن ما يدخل تحت العد فكأن قد نفد وإنما قال لأجل ولم يقل إلى أجل لأن اللام يدل على الغرض وان الحكمة اقتضت تأخيره وإلى لا يدل على ذلك (يَوْمَ يَأْتِ) أي حين يأتي يوم القيامة والجزاء (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي لا يتكلم أحد فيه إلّا بإذن الله تعالى وأمره ومعناه انه لا يتكلم فيه إلا بالكلام الحسن المأذون فيه ، لأن الخلق ملجأون هناك إلى ترك القبائح فلا يقع منهم فعل القبيح ، أما ما هو غير قبيح فإنه مأذون