أعظم من استبدال الجنة بالنار ، وأيّ صفقة أخسر من استبدال رضاء الشيطان برضاء الرحمن (يَعِدُهُمْ) الشيطان أن يكون لهم ناصرا (وَيُمَنِّيهِمْ) معناه : يعدهم الفقر إن انفقوا مالهم في أبواب البر ، ويمنيهم طول البقاء في الدنيا ، ودوام النعيم فيها ليؤثروها على الآخرة (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) أي لا يكون لما يعدهم ويمنيهم أصل وحقيقة ، والغرور : إيهام النفع فيما فيه ضرر (أُولئِكَ) اشارة إلى الذين اتخذوا الشيطان وليا من دون الله فاغتروا بغروره ، وتابعوه فيما دعاهم إليه (مَأْواهُمْ) مستقرهم جميعا (جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) أي مخلصا ولا مهربا ولا معدلا.
١٢٢ ـ قد مرّ تفسير صدر الآية في هذه السورة ، وقوله : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) استفهام فيه معنى النفي ، أي لا أحد أصدق من الله قولا فيما أخبره ، ووعدا فيما وعده.
١٢٣ ـ ١٢٤ ـ لمّا ذكر سبحانه الوعد والوعيد قال عقيب ذلك (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ) معناه : ليس الثواب والعقاب بأمانيكم ، وقيل : الخطاب لأهل الشرك من قريش لأنهم قالوا : لا نبعث ولا نعذب (وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) أي ولا بأماني أهل الكتاب في انه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) يريد بذلك جميع المعاصي صغائرها وكبائرها ، وإن من ارتكب شيئا منها فإن الله سبحانه يجازيه عليها إمّا في الدنيا وإما في الآخرة (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) معناه : ولا يجد هذا الذي يعمل سوءا من معاصي الله وخلاف أمره وليا يلي أمره ، وينصره ويحامي عنه ، ويدفع عنه ما ينزل به من عقوبة الله ، ولا نصيرا أي ناصرا ينصره وينجيه من عذاب الله وقوله سبحانه : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) وإنما قال : وهو مؤمن ليبين ان الطاعة لا تنفع من دون إيمان (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) وعد الله تعالى بهذه الآية جميع المكلفين من الرجال والنساء إذا عملوا الأعمال الصالحة ، أي الطاعات الخالصة وهم مؤمنون موحدون مصدقون نبيه بأن يدخلهم الجنة ، ويثبتهم فيها ، ولا يبخسهم شيئا مما يستحقونه من الثواب ، وان كان مقدار نقير في الصغر ، وقد قابل سبحانه الوعيد العام في الآية التي قبل هذه الآية بالوعد العام في هذه الآية ليقف المؤمن بين الخوف والرجاء.
١٢٥ ـ ١٢٦ ـ ثمّ بيّن سبحانه من يستحق الوعد الذي ذكره قبل فقال : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً) وهو في صورة الإستفهام والمراد به التقرير ومعناه : من أصوب طريقا ، وأهدى سبيلا؟ أي لا أحد أحسن إعتقادا (مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) أي استسلم وجهه ، والمراد بقوله : وجهه هنا : ذاته ونفسه والمعنى : انقاد لله سبحانه بالطاعة ، ولنبيه (ص) بالتصديق (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي فاعل للفعل الحسن الذي أمره الله تعالى ، وقيل معناه : وهو محسن في جميع أقواله وأفعاله ، وقيل : إن المحسن هنا هو الموحّد ، وروي عن النبي (ص) سئل عن الإحسان فقال : أن تعبد الله تعالى كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) أي اقتدى بدينه وسيرته وطريقته ، يعني ما كان عليه إبراهيم ، وأمر به بنيه من بعده وأوصاهم به من الإقرار بتوحيده وعدله ، وتنزيهه عما لا يليق به (حَنِيفاً) أي مستقيما على منهاجه وطريقه ، وقد مرّ معنى الحنيف في سورة البقرة (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) والمراد بخلته لله انه كان مواليا لأولياء الله ، ومعاديا لأعداء الله ، والمراد بخلة الله تعالى له : نصرته على من أراده بسوء (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وملكا فهو مستغن عن جميع خلقه ، والخلق محتاجون إليه (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) يعني لم يزل سبحانه عالما بجميع ما يفعله عباده ، ومعنى المحيط بالشيء انه العالم به من جميع وجوهه.