لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) أي لا يهديهم إلى طريق الجنة ، لأن الهداية إلى طريق الإيمان قد سبقت وعم الله بها جميع المكلفين (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) معناه : لكن يهديهم طريق جهنم جزاء لهم على ما فعلوه من الكفر والظلم (خالِدِينَ فِيها) أي مقيمين فيها (أَبَداً وَكانَ ذلِكَ) أي تخليد هؤلاء الذين وصفهم في جهنم (عَلَى اللهِ يَسِيراً) لأنه اذا أراد ذلك لم يقدر على الإمتناع منه أحد.
١٧٠ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ) خطاب لجميع المكلفين (قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ) يعني محمدا (ص) (بِالْحَقِ) أي بالدين الذين ارتضاه الله لعباده (مِنْ رَبِّكُمْ) أي من عند ربكم (فَآمِنُوا) أي صدقوه وصدّقوا ما جاءكم به من عند ربكم (خَيْراً لَكُمْ) مما أنتم عليه من الجحود والتكذيب (وَإِنْ تَكْفُرُوا) أي تكذبوه فيما جاءكم به من عند الله (فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي فإن ضرر ذلك يعود عليكم دون الله (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بما أنتم صائرون إليه من طاعته أو معصيته (حَكِيماً) في أمره ونهيه إياكم ، وتدبيره فيكم وفي غيركم.
١٧١ ـ ثم عاد سبحانه إلى حجاج أهل الكتاب فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) خطاب لليهود والنصارى لأن النصارى غلت في المسيح فقالت : هو إبن الله ، وبعضهم قال : هو الله ، وبعضهم قال : هو ثالث ثلاثة : الأب والإبن وروح القدس ، واليهود غلت فيه حتى قالوا : ولد لغير رشدة ، فالغلو لازم للفريقين (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) أي لا تفرطوا في دينكم ، ولا تجاوزوا الحق فيه (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) أي قولوا : انه جلّ جلاله واحد لا شريك له ، ولا صاحبة ولا ولد ، ولا تقولوا في عيسى : انه إبن الله أو شبهه فإنه قول بغير الحق (إِنَّمَا الْمَسِيحُ) وقد ذكرنا معناه وقيل : سمي بذلك لأنه كان يمسح الأرض مشيا (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) هذا بيان لقوله : المسيح ، يعني انه ابن مريم لا ابن الله كما يزعمه النصارى ، ولا ابن أب كما تزعمه اليهود (رَسُولُ اللهِ) أرسله الله إلى الخلق لا كما زعمت الفرقتان المبطلتان (وَكَلِمَتُهُ) يعني أنه حصل بكلمته التي هي قوله : كن (أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) خلقها في رحمها (وَرُوحٌ مِنْهُ) معناه : إنسان أحياه الله بتكوينه بلا واسطة من جماع أو نطفة كما جرت العادة بذلك (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) أمرهم الله بتصديقه ، والإقرار بوحدانيته ، وتصديق رسله فيما جاؤوا به من عنده ، وفيما أخبروهم به من أن الله سبحانه لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) هذا خطاب للنصارى ، ومعناه : لا تقولوا الله ثلاثة أب وابن وروح القدس (انْتَهُوا) عن هذه المقالة الشنيعة ، أي امتنعوا عنها (خَيْراً لَكُمْ) أي ائتوا بالإنتهاء عن قولكم خيرا لكم مما تقولون (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) أي ليس كما تقولون : إنه ثالث ثلاثة ولا صاحبة له ، ولا شريك له. ثم نزّه سبحانه نفسه عما يقوله المبطلون فقال : (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) ولفظة سبحانه تفيد التنزيه عما لا يليق به ، أي هو منزه عن ان يكون له ولد (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وملكا وخلقا وهو يملكهما ، وله التصرف فيهما وفيما بينهما ، ومن جملة ذلك عيسى وأمه ، فكيف يكون المملوك والمخلوق إبنا للمالك والخالق (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) معناه : وكفى بالله حافظا لأعمال العباد حتى يجازيهم عليها.
١٧٢ ـ ١٧٣ ـ (لَنْ يَسْتَنْكِفَ) أي لن يأنف ولم يمتنع (الْمَسِيحُ) يعني عيسى (ع) من (أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) أي ولا الملائكة المقربون يأنفون ويستكبرون عن الإقرار بعبوديته ، والإذعان له بذلك ، والمقربون : الذين قربهم تعالى ، ورفع منازلهم على غيرهم