أبدؤك بالقتل لأني أريد أن ترجع بإثم قتلي ان قتلتني ، وإثم الذي كان منك قبل قتلي وقيل معناه : بإثم قتلي وإثمك الذي هو قتل جميع الناس حيث سننت القتل (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) أي فتصير بذلك من الملازمين النار (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) أي عقاب العاصين (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ) معناه : شجعته نفسه على (قَتْلَ أَخِيهِ) أي على ان يقتل أخاه (فَقَتَلَهُ) ترك رأسه بين حجرين فشدخه (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي صار ممن خسر الدنيا والآخرة ، وذهب عنه خيرهما.
٣١ ـ (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ) قالوا : كان هابيل أول ميت من الناس ، فلذلك لم يدر قابيل كيف يواريه وكيف يدفنه ، حتى بعث الله غرابين احدهما حي والآخر ميت ، فبحث الأرض ودفنه فيها ، ففعل قابيل به مثل ذلك (لِيُرِيَهُ) أي ليري الغراب قابيل (كَيْفَ يُوارِي) أي كيف يغطي ويستر (سَوْأَةَ أَخِيهِ) أي عورة أخيه (قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ) فقال القاتل : يا ويلتي أعجزت (أَنْ أَكُونَ) في هذا العلم (مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ) أي أستر (سَوْأَةَ أَخِي) والسوأة عبارة عما يكره ، وعما ينكر (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) على قتله ، ولكن لم يندم على الوجه الذي يكون توبة فلذلك لم يقبل ندمه وقيل : من النادمين على حمله لا على قتله.
٣٢ ـ ثم بيّن سبحانه التكليف في باب القتل فقال : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) قال الزجاج معناه : من جناية ذلك ، وذلك إشارة إلى قتل أحد ابني آدم أخاه ظلما (كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي حكمنا عليهم وفرضنا (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً) أي من قتل منهم نفسا ظلما (بِغَيْرِ نَفْسٍ) أي بغير قود (أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) أو من قتل منهم بغير فساد كان منها في الأرض فاستحقت بذلك قتلها ، وفسادها في الأرض إنما يكون بالحرب لله ولرسوله ، وإخافة السبيل على ما ذكره الله في قوله : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) معناه : هو ان الناس كلهم خصماؤه في قتل ذلك الإنسان ، وقد وترهم وتر من قصد لقتلهم جميعا فأوصل اليهم من المكروه ما يشبه القتل الذي أوصله إلى المقتول ، فكأنه قتلهم كلهم ، ومن استنقذها من غرق أو حرق أو هدم أو ما يميت لا محالة ، أو استنقذها من ضلال ، فكأنما أحيا الناس جميعا ، أي أجره على الله أجر من أحياهم جميعا ، لأنه في اسدائه المعروف إليهم بإحيائه أخاهم المؤمن بمنزلة من أحيا كل واحد منهم وهذا المعنى مروي عن أبي عبد الله (ع) ثم قال : وافضل من ذلك أن يخرجها من ضلال إلى هدى (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ) معناه : ولقد أتت بني إسرائيل الذي ذكرنا قصصهم وأخبارهم رسلنا بالبينات الواضحة ، والمعجزات الدالة على صدقهم وصحة نبوتهم (ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ) يعني من بني إسرائيل (بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) أي مجاوزون حدّ الحق بالشرك عن الكلبي ، وبالقتل عن غيره ، والأولى ان يكون عاما في كل مجاوز عن حق ويؤيده ما روي عن أبي جعفر عليهالسلام : المسرفون هم الذين يستحلون المحارم ويسفكون الدماء.
٣٣ ـ ٣٤ ـ لمّا قدّم تعالى ذكر القتل وحكمه عقبه بذكر قطاع الطريق والحكم فيهم فقال : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ) أي أولياء الله كقوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ) (وَرَسُولَهُ) أي يحاربون رسوله (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) المروي عن أهل البيت (ع): ان المحارب هو كل من شهر السلاح ، وأخاف الطريق ، سواء كان في المصر أو خارج