إرساله موسى فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) أي بالمعجزات والدلالات (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ) أي بأن أخرج قومك (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) مرّ معناه ، أي أمرناه بذلك وإنما أضاف الإخراج إليه لأنهم بسبب دعائه خرجوا من الكفر إلى الإيمان (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) معناه : وأمرناه بأن يذكر قومه وقائع الله في الأمم الخالية ، وإهلاك من أهلك منهم ليحذروا ذلك فيكون المعنى : الأيام التي انتقم الله فيها من القرون الأولى (إِنَّ فِي ذلِكَ) التذكير (لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي دلالات لكل من كان عادته الصبر على بلاء الله ، والشكر على نعمائه ، وإنما جمع بينهما لأن حال المؤمن لا يخلو من نعمة يجب شكرها ، أو محنة يجب الصبر عليها ، (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) والتقدير : واذكر يا محمد إذ قال موسى لهم (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ) أي في الوقت الذي أنجاكم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ) أي يذيقونكم (سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي يستبقونهن احياء للاسترقاق (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) والآية مفسرة في سورة البقرة.
٧ ـ ١٠ ـ لما تقدّم ذكر النعمة اتبعه سبحانه بذكر ما يلزم عليها من الشكر فقال (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) معناه : وإذ قال لكم ربكم (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) أي لئن شكرتم لي على نعمي لأزيدنكم في النعم (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) أي جحدتم نعمتي (إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) لمن كفر نعمتي وقال أبو عبد الله (ع) في هذه الآية : أيما عبد أنعمت عليه نعمة فأقر بها بقلبه وحمد الله عليها بلسانه لم ينفذ كلامه حتى يأمر الله له بالزيادة (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا) أي تجحدوا نعم الله سبحانه (أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من الخلق لم تضروا الله شيئا وإنما يضركم ذلك بأن تستحقوا عليه العقاب (فَإِنَّ اللهَ) سبحانه (لَغَنِيٌ) عن شكركم (حَمِيدٌ) في أفعاله وقد يكون كفر النعمة بأن يشبه الله بخلقه ، أو يجور في حكمه ، أو يرد على نبي من أنبيائه فإن الله سبحانه قد أنعم على خلقه في جميع ذلك بأن أقام الحجج الواضحة والبراهين الساطعة على صحته وعرض بالنظر فيها للثواب الجزيل (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) ان هذا الخطاب متوجه إلى أمة نبينا (ص) فذكرت بأخبار من تقدمها من الأمم (نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي أخبار من تقدمكم (قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) أي لا يعلم تفاصيل أحوالهم وعددهم وما فعلوه وفعل بهم من العقوبات إلّا الله قال ابن الأنباري : ان الله تعالى أهلك أمما من العرب وغيرهم فانقطعت أخبارهم ، وعفت آثارهم ، فليس يعرفهم أحد إلّا الله (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالأدلة والحجج والأحكام والحلال والحرام (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) اختلفوا في معناه على أقوال (أحدها) معناه : عضّوا على أصابعهم من شدّة الغيظ لأنه ثقل عليهم مكان الرسل (وثانيها) ان معناه : جعلوا أيديهم في أفواه الأنبياء تكذيبا لهم ، وردّوا لما جاؤوا به ، فالضمير في أيديهم إلى أفواه الرسل تسكيتا لهم ، عن الحسن ومقاتل (وثالثها) ان معناه : وضعوا أيديهم على أفواههم مومين بذلك إلى الرسل أن اسكتوا عما تدعوننا إليه ، كما يفعل الواحد منا مع غيره إذا أراد تسكيته ، عن الكلبي ، فيكون على هذا القول الضميران للكفار (ورابعها) ان كلا الضميرين للرسل ، أي أخذوا أيدي الرسل فوضعوها على أفواههم ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم فيسكتوا عنهم لما يئسوا منهم. هذا كله إذا حمل معنى الأيدي والأفواه على الحقيقة ، ومن حملها على التوسّع والمجاز فاختلفوا في معناه ، فقيل : المراد باليد ما نطقت به الرسل من الحجج ، والمعنى : فردّوا حججهم من حيث جاءت ، لأن الحجج تخرج من الأفواه ، عن أبي مسلم ، وقيل : ان المعنى : ردّوا ما جاءت به الرسل وكذبوهم ، عن مجاهد وقتادة ، وقيل معناه : تركوا ما أمروا به ، وكفّوا عن قبول الحق ، عن أبي عبيدة والأخفش (وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا) أي جحدنا (بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أي