(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) واجعل من ذريتي مقيم الصلاة ، ويتمسك بالدين (رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) أي واجب دعائي ، فإن قبول الدعاء إنما هو الإجابة ، وقبول الطاعة الإثابة (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) واستدل أصحابنا بهذا على ما ذهبوا إليه من ان أبوي إبراهيم (ع) لم يكونا كافرين لأنه إنما يسأل المغفرة لهما يوم القيامة ، فلو كانا كافرين لما سأل ذلك لأنه قال : فلما تبيّن له أنه عدوّ لله تبرأ منه ، فصحّ أن أباه الذي كان كافرا إنما هو جده لأمه (وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) أي واغفر للمؤمنين أيضا يوم يقوم الخلق للحساب.
النظم
اتصلت الآيات بما قبله لأن النهي عن عبادة الأصنام والأمر بعبادة الله سبحانه قد تقدّم ، فبيّن سبحانه عقيب ذلك ما كان عليه إبراهيم عليهالسلام من التشدد في إنكار عبادة الأصنام ، والدعاء بما دعا به ، وقيل : انه معطوف على ما تقدّم من قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) ، وقيل : انه لما قال : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) بيّن عقيبه ما دعا به إبراهيم عليهالسلام ، وسأله إياه ، وإجابته لدعائه وسؤاله.
٤٢ ـ ٤٥ ـ لما ذكر سبحانه يوم الحساب وصفه وبيّن أنه لا يمهل الظالمين عن غفلة لكن لتأكيد الحجة قال (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) وفي هذا وعيد للظالم ، وتعزية للمظلوم ومعناه : ولا تظنن الله ساهيا عن مجازاة الظالمين على أعمالهم (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) ومعناه : إنما يؤخر عقابهم ومجازاتهم إلى يوم القيامة ، وهو اليوم الذي تكون فيه الأبصار شاخصة عن مواضعها لا تغمض لهول ما ترى في ذلك اليوم ولا تطرف للتحير والرعب (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) أي مسرعين عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة وقيل : يريد دائمي النظر إلى ما يرون لا يرى الرجل مكان قدمه من شدة رفع الرأس ، وذلك من هول يوم القيامة (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) أي لا ترجع إليهم أعينهم ولا يطبقونها ولا يغمضونها ، وإنما هو نظر دائم (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) معناه : وأفئدتهم زائلة عن مواضعها قد ارتفعت إلى حلوقهم لا تخرج ولا تعود إلى أماكنها بمنزلة الشيء الذاهب في جهات مختلفة ، المتردد في الهواء (وَأَنْذِرِ النَّاسَ) معناه : ودم يا محمد على إنذارك الناس ، وهو عام في كل مكلف (يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) وهو يوم القيامة (فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) نفوسهم بارتكاب المعاصي (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ) أي ردّنا إلى الدنيا واجعل ذلك مدة قريبة نجب دعوتك فيها (وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) أي نتبع رسلك فيما يدعوننا إليه ، فيقول الله تعالى مخاطبا لهم ، أو يقول الملائكة بأمره (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ) أي حلفتم (مِنْ قَبْلُ) في دار الدنيا (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) أي ليس لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) هذا زيادة توبيخ لهم وتعنيف ، أي وسكنتم ديار من كذب الرسل قبلكم فاهلكهم الله ، وعرفتم ما نزل بهم من البلاء والهلاك والعذاب المعجل ، (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) وبينا لكم الأشباه ، وأخبرناكم بأحوال الماضين قبلكم لتعتبروا بها فلم تعتبروا ولم تتعظوا وقيل الأمثال ما ذكر في القرآن مما يدل على أنه تعالى قادر على الإعادة كما هو قادر على الإنشاء والإبتداء.
٤٦ ـ ٥٤ ـ ثم أبان سبحانه عن مكر الكفار ، ودفعه ذلك عن رسله (ع) تسلية لنبينا (ص) فقال (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) أي وقد مكروا بالأنبياء قبلك ما أمكنهم من المكر كما مكروا بك ، فعصمهم الله من مكرهم كما عصمك (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أي جزاء مكرهم فهو يجازيهم عليه (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) أي ولم يكن مكرهم ليبطل حجج القرآن وما معك من دلائل النبوات فإن ذلك ثابت بالدليل والبرهان والمعنى : لا تزول منه الجبال فكيف يزول منه الدين الذي هو أثبت من الجبال؟ (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ