من له الحق ، وامتنع من عليه الحق من أداء الحق وقالوا : إنما عاملناكم وأنتم على ديننا ، فإذا فارقتموه سقط حقكم ، وادعوا أن ذلك في كتبهم ، فأكذبهم الله في ذلك بقوله : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) انهم يكذبون ، لأن الله أمرهم بخلاف ما قالوا ، وإنما سمّوهم أميّين لكونهم من مكة وهي أم القرى ، ثم الله تعالى ردّ عليهم قولهم فقال : (بَلى) وفيه نفي لما قبله ، وإثبات لما بعده ، كأنه قال : ما أمر الله بذلك ولا أحبه ولا أراده ، بل أوجب الوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ) معناه : من أوفى بعهد نفسه ، لأن العهد يضاف تارة إلى العاهد وتارة إلى المعهود له (وَاتَّقى) الخيانة ونقض العهد (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) معناه : فإن الله يحبّه إلا أنه عدل إلى ذكر المتقين ليبين الصفة التي يجب بها محبة الله ، وهذه صفة المؤمن فكأنه قال : والله يحبّ المؤمنين ولا يحبّ اليهود. وروي عن النبي (ص) أنه قال : ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صلى وصام وزعم أنه مؤمن : وعنه صلىاللهعليهوآله قال : من ائتمن على أمانة فأداها ولو شاء لم يؤدّها زوّجه الله من الحور العين ما شاء
٧٧ ـ ثم ذكر تعالى الوعيد لهم على أفعالهم الخبيثة فقال (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ) أي يستبدلون (بِعَهْدِ اللهِ) أي بأمر الله وما يلزمهم الوفاء به (وَأَيْمانِهِمْ) أي وبالأيمان الكاذبة (ثَمَناً قَلِيلاً) أي عوضا نزرا ، وسماه قليلا لأنه قليل في جنب ما يفوتهم من الثواب ، ويحصل لهم من العقاب وقيل : العهد ما أوجبه الله على الإنسان من الطاعة ، والكف عن المعصية وقيل : هو ما في عقل الإنسان من الزجر عن الباطل ، والإنقياد للحق (أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ) أي لا نصيب وافر لهم في نعيم الآخرة (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) انه لا يكلمهم بما يسرهم ، بل بما يسوءهم وقت الحساب لهم (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) معناه : لا يعطف عليهم ، ولا يرحمهم (وَلا يُزَكِّيهِمْ) أي لا ينزلهم منزلة الأزكياء (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم موجع.
٧٨ ـ (وَإِنَّ مِنْهُمْ) أي من أهل الكتاب (لَفَرِيقاً) أي طائفة (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) معناه : يحرّفون الكتاب عن جهته ويفسرونه بخلاف الحق (لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ) أي لتظنوه أيها المسلمون من كتاب الله تعالى وما هو من الكتاب المنزل على موسى ولكنهم يخترعونه ويبتدعونه (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) وفي هذا دليل على ان المعاصي ليست من عند الله ولا من فعله ، لأنها لو كانت من فعله لكانت من عنده (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في نسبتهم ذلك إلى الكتاب (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أن ذلك كذب.
٧٩ ـ ٨٠ ـ لما تقدم ذكر أهل الكتاب وانهم أضافوا ما يتدينون به إلى الأنبياء نزههم الله عن ذلك فقال : (ما كانَ لِبَشَرٍ) يعني ما ينبغي لبشر (أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ) أن يعطيه الله (الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) أي العلم أو الرسالة إلى الخلق (ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ) معناه : ليس من صفة الأنبياء الذين خصهم الله لرسالته ، واجتباهم لنبوته ، وأنزل عليهم كتبه ، وجعلهم حكماء علماء أن يدعوا الناس إلى عبادتهم (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) لا ينبغي لهذا النبي أن يقول للناس : اعبدوني ولكن ينبغي أن يقول لهم : كونوا ربانيين معناه : كونوا علماء فقهاء (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ) أي القرآن (وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) أي الفقه (وَلا يَأْمُرَكُمْ) أي ولا يأمركم عيسى ولا كان لهذا النبي أن يأمركم (أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) أي آلهة كما فعله الصابئون والنصارى (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) معناه : ان الله تعالى إنما يبعث النبي (ص) ليدعو الناس إلى الإيمان ، فلا يبعث من يدعو المسلمين إلى الكفر.