وما يشعرون أن الله تعالى يدلّ المؤمنين على ضلالهم وإضلالهم ، وقيل : وما يشعرون أنهم ضلال لجهلهم عن أبي علي الجبائي.
٧٠ ـ ٧١ ـ ثم خاطب الله الفريقين فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ) بما يتلى عليكم من آيات (اللهِ) يعني القرآن (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) أي تعلمون وتشاهدون ما يدل على صحتها ، ووجوب الإقرار بها من التوراة والإنجيل إذ فيهما ذكر النبي ، والإخبار بصدق نبوته ، وبيان صفته (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) معناه : لم تخلطون الحق بالباطل ، وفيه أقوال : (أحدها) أن المراد به تحريف التوراة والإنجيل (وثانيها) أن المراد به إظهارهم الإسلام وابطانهم النفاق ، وفي قلوبهم من اليهودية والنصرانية ، لأنهم تداعوا إلى إظهار الإسلام في صدر النهار والرجوع عنه في آخره تشكيكا للناس (ثالثها) أن المراد به الإيمان بموسى وعيسى والكفر بمحمد (ورابعها) أن المراد ما يعلمونه في قلوبهم من أن محمدا أحق بما يظهرونه من تكذيبه (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ) أي نبوة محمد (ص) وما وجدتموه في كتبكم من نعته والبشارة به (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنه حق ، وإنما نزلت هذه في طائفة من علمائهم.
٧٢ ـ ٧٤ ـ لما ذكر تعالى صدرا من كيد القوم عقّبه بذكر هذه المكيدة الشديدة فقال : (وَقالَتْ طائِفَةٌ) أي جماعة (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) أي بعضهم لبعض (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) يعنون النبي وأصحابه (وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) واختلف في معناه على أقوال (أحدها) أظهروا الإيمان لهم أول النهار ، وارجعوا عنه في آخره فإنه أخرى أن ينقلبوا عن دينهم عن الحسن وجماعة (وثانيهما) امنوا بصلاتهم إلى الكعبة أول النهار واكفروا آخره ليرجعوا بذلك عن دينهم عن مجاهد (وثالثهما) اظهروا الإيمان في صدر النهار بما سلف لكم من الإقرار بصفة محمد (ص) ثم ارجعوا في آخره لتوهموهم أنه كان قد وقع غلط في صفته (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن دينهم الإسلام (وَلا تُؤْمِنُوا) أي ولا تصدقوا (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) اليهودية ، وقام بشرائعكم (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) تقديره : قل يا محمد ان الهدى إلى الخير هدى الله (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) فلا تجحدوا أيها اليهود أن يؤتى أحد (مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) من النبوة (أَوْ) أن (يُحاجُّوكُمْ) بذلك (عِنْدَ رَبِّكُمْ) إن لم تقلبوا ذلك منهم وقوله : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ) قيل : يريد به النبوة وقوله : بيد الله أي في ملكه وهو القادر عليه ، العالم بمحله (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) وفي هذه دلالة على أن النبوة ليست بمستحقة وكذلك الإمامة لأن الله سبحانه علقه بالمشيئة (وَاللهُ واسِعٌ) الرحمة جواد (عَلِيمٌ) بمصالح الخلق (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) مرّ تفسيره في سورة البقرة في العشر التي بعد المائة ، وفي هذه الآيات معجزة باهرة لنبينا إذ فيها اخبار عن سرائر القوم التي لا يعلمها إلّا علام الغيوب وفيها دفع لمكائدهم.
٧٥ ـ ٧٦ ـ ثم ذكر سبحانه معائب القوم فقال : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ) أي تجعله أمينا على قنطار : أي مال كثير (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) عند المطالبة ولا يخون فيه (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ) المراد : تجعله أمينا على قليل من المال (لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) عند المطالبة ، وهم كفار اليهود بالإجماع (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) معناه : إلا أن تلازمه وتتقاضاه (ذلِكَ) أي ذلك الإستحلال والخيانة (بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) هذا بيان العلة التي كانوا لأجلها لا يؤدون الأمانة ، ويميلون إلى الخيانة ، وذلك انهم عاملوا جماعة منهم ثم أسلم