(إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ثم أخبر سبحانه بما حلّ بهم من العذاب بقوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي الصيحة (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) أي في بلدهم (جاثِمِينَ) أي صرعى ميّتين ساقطين لا حركة بهم (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) أي أعرض عنهم (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) أي أدّيت النصح في تبليغ الرسالة (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) أي ولكنّكم لا تحبّون من ينصح لكم لأن من أحب إنسانا قبل منه.
٨٠ ـ ٨٤ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال : (وَلُوطاً) أي وأرسلنا لوطا ، وهو لوط بن هاران بن تارخ بن أخي إبراهيم الخليل (ع) ، وكانت سارة امرأة إبراهيم أخت لوط (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) أي السيئة العظيمة القبح ، يعني إتيان الرجال في ادبارهم (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) قيل : ما نزا ذكر على ذكر قبل قوم لوط ، عن عمرو بن دينار. وقال الحسن : وكانوا يفعلون ذلك بالغرباء ثم بيّن تلك الفاحشة فقال : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) معناه : أتأتون الرجال في أدبارهم اشتهاء منكم؟ أي تشتهونهم فتأتونهم وتتركون اتيان النساء اللاتي أباحها الله لكم (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) أي متجاوزون عن الحد في الظلم والفساد ، ومستوفون جميع المعايب (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) أي لم يجيبوه عما قال (إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) قابلوا النصح والوعظ بالسفاهة فقالوا : اخرجوا لوطا ومن آمن به من بلدتكم ، والمراد بالقرية البلدة (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) أي يتحرجون عن ادبار الرجال فعابوهم بما يجب أن يمدحوا به وقيل معناه : يتنزهون عن أفعالكم وطرائقكم (فَأَنْجَيْناهُ) أي فخلصنا لوطا من الهلاك (وَأَهْلَهُ) المختصين به ، وأهل الرجل من يختص به اختصاص القرابة (إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) معناه : كانت من الباقين في عذاب الله (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) أي ارسلنا عليهم الحجارة كالمطر (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) معناه : تفكّر وانظر بعين العقل كيف كان مآل أمر المقترفين للسيئات ، والمنقطعين إليها ، وعاقبة فعلهم من عذاب الدنيا بالاستئصال قبل عذاب الآخرة بالخلود في النار؟
قصة لوط
عن أبي جعفر عليهالسلام : ان لوطا لبث في قومه ثلاثين سنة ، وكان نازلا فيهم ولم يكن منهم ، يدعوهم إلى الله ، وينهاهم عن الفواحش ، ويحثهم على الطاعة ، فلم يجيبوه ولم يطيعوه ، وكانوا لا يتطهرون من الجنابة ، بخلاء اشحاء على الطعام ، فأعقبهم البخل الداء الذي لا دواء له في فروجهم ، وذلك أنهم كانوا على طريق السيارة إلى الشام ومصر ، وكان ينزل بهم الضيفان ، فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه ، وإنما فعلوا ذلك لتنكل النازلة عليهم من غير شهوة بهم إلى ذلك ، فاوردهم البخل هذا الداء حتى صاروا يطلبونه من الرجال ، ويعطون عليه الجعل ، وكان لوط سخيا كريما يقري الضيف إذا نزل به ، فنهوه عن ذلك ، فكان لوط إذا نزل به الضيف كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه ، فلما عتوا بعث الله إليهم جبرئيل في نفر من الملائكة ، فوقفوا على لوط وهو يسقي الزرع فقال : من أنتم؟ قالوا : نحن ابناء السبيل ، أضفنا الليلة ، فقال لوط : إن أهل هذه القرية قوم سوء ينكحون الرجال في أدبارهم ، ويأخذون أموالهم ، قالوا : قد أبطأنا فأضفنا فجاء لوط إلى أهله وكانت امرأته كافرة فقال : قد أتاني أضياف في هذه الليلة فاكتمي أمرهم ، قالت : افعل ، وكانت