عبد الله بن مسعود وابن عباس ، وقيل : ان الادراك يجوز أن يكون منازل بعضها أسفل من بعض بالمسافة ، ويجوز أن يكون ذلك اخبارا عن بلوغ الغاية في العقاب كما يقال : السلطان بلّغ فلانا الحضيض ، وبلّغ فلانا العرش ، يريدون بذلك انحطاط المنزلة وعلوّها لا المسافة ، عن أبي القاسم البلخي (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) ولا تجديا محمد لهؤلاء المنافقين ناصر ينصرهم فينقذهم من عذاب الله إذ جعلهم في أسفل طبقة من النار ، ثم استثنى تعالى فقال : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) من نفاقهم (وَأَصْلَحُوا) نياتهم (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) أي تبرأوا من الآلهة والأنداد ، وقيل : طلبوا بإيمانهم رحمة الله ورضاه مخلصين (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) أي فإنهم إذا فعلوا ذلك يكونون في الجنة مع المؤمنين ، ومحل الكرامة (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) سوف كلمة ترجئة وعدة واطماع ، وهي من الله إيجاب لأنه أكرم الأكرمين ووعد الكريم إنجاز.
١٤٧ ـ (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ) ما يصنع الله بعذابكم. والمعنى : لا حاجة لله إلى عذابكم وجعلكم في الدرك الأسفل من جهنم ، لأنه لا يجتلب بعذابكم نفعا ، ولا يدفع به عن نفسه ضررا (إِنْ شَكَرْتُمْ) أي أديتم الحق الواجب لله عليكم ، وشكرتموه على نعمه (وَآمَنْتُمْ) به وبرسوله (وَكانَ اللهُ شاكِراً) يعني انه سبحانه مجازيا لكم على الشكر (عَلِيماً) بما يستحقونه من الثواب على الطاعات.
١٤٨ ـ ١٤٩ ـ (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) لا يحب الله الشتم في الإنتصار (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الإنتصار به في الدين (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً) لما يجهر به من سوء القول (عَلِيماً) بصدق الصادق ، وكذب الكاذب ، فيجازي كلا بعمله. وفيها ترغيب في مكارم الأخلاق ونهي عن كشف عيوب الخلق ، واخبار بتنزيه ذاته تعالى عن إرادة القبائح (إِنْ تُبْدُوا) أي تظهروا (خَيْراً) أي حسنا جميلا من القول لمن أحسن إليكم شكرا على انعامه عليكم (أَوْ تُخْفُوهُ) أي تتركوا إظهاره (أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) معناه : أو تصفحوا عمّن أساء إليكم مع القدرة على الإنتقام منه (فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا) أي صفوحا عن خلقه ، يصفح لهم عن معاصيهم (قَدِيراً) أي قادرا على الإنتقام منهم ، وهذا حثّ منه سبحانه منه لخلقه على العفو عن المسيء مع القدرة على الإنتقام والمكافأة ، فإنه تعالى مع كمال قدرته يعفو عنهم ذنوبا أكثر من ذنب من يسيء إليهم.
١٥٠ ـ ١٥٢ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ) من اليهود والنصارى (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) أي يكذبوا رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه وأوحى إليهم ، وذلك معنى إرادتهم التفريق بين الله ورسله (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) كما فعل اليهود صدقوا بموسى ومن تقدمه من الأنبياء وكذّبوا بعيسى ومحمد ، وكما فعلت النصارى صدقوا عيسى ومن تقدمه من الأنبياء وكذبوا بمحمد (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) أي طريقا إلى الضلالة التي أحدثوها (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) أي هؤلاء الذين أخبرنا عنهم بأنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض هم الكافرون حقيقة فاستيقنوا ذلك (وَأَعْتَدْنا) أي أعددنا وهيأنا (لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) يهينهم ويذلهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) أي صدقوا الله ووحدوه ، وأقروا بنبوة رسله (وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) بل آمنوا بجميعهم (أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ) أي سنعطيهم أجورهم ، وسمى الله الثواب أجرا دلالة على انه مستحق ، أي نعطيهم