التي قارفنا فيها الذنوب (قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا) قيل ومن أين أخذها آباؤكم؟ قالوا : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم إذا ما فعلوا ما يعظم قبحه اعتذروا لنفوسهم إنا وجدنا آباءنا يفعلونها ، وان آباءهم فعلوا ذلك من قبل الله فردّ الله سبحانه عليهم قولهم بأن قال : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) ثم أنكر عليهم من وجه آخر فقال : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) معناه : أتكذبون عليه.
٢٩ ـ ٣٠ ـ لما بيّن سبحانه أنه لا يأمر بالفحشاء ، وهو اسم جامع للقبائح والسيئات ، عقّبه ببيان ما يأمر به من القسط وهو اسم جامع لجميع الخيرات فقال : (قُلْ) يا محمد (أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) أي بالعدل والإستقامة (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) معناه : أخلصوا وجوهكم لله تعالى في الطاعة فلا تشركوا به وثنا ولا غيره (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وهذا أمر بالدعاء والتضرع إليه سبحانه على وجه الإخلاص ، أي ارغبوا إليه في الدعاء بعد إخلاصكم له الدين (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) معناه : وادعوه مخلصين فإنكم مبعوثون ومجازون وإن بعد ذلك في عقولكم ، فاعتبروا بالابتداء ، واعلموا أنه كما بدأكم في الخلق الأول فإنه يبعثكم فتعودون إليه في الخلق الثاني ، أي فليس بعثكم بأشد من ابتدائكم (فَرِيقاً) أي جماعة (هَدى) أي حكم لهم بالإهتداء بقبولهم للهدى (وَفَرِيقاً حَقَ) أي وجب (عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) إذ لم يقبلوا الهدى أو حقّ عليهم العذاب والهلاك بكفرهم (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) بيّن سبحانه أنه لم يبدأهم بالعقوبة ولكن جازاهم على عصيانهم واتباعهم الشيطان ، وإنما اتخذوهم أولياء بطاعتهم لهم فيما دعوهم إليه (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) ومعناه : وهم مع ذلك يظنون أنهم في ذلك على هداية وحق.
٣١ ـ ٣٢ ـ (يا بَنِي آدَمَ) وهو خطاب لسائر المكلفين (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) معناه : خذوا ما تسترون به عوراتكم ، وإنما قال ذلك لأنهم كانوا يتعرون من ثيابهم للطواف على ما تقدم بيانه (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) صورته صورة الأمر والمراد الإباحة ، وهو عام في جميع المباحات (وَلا تُسْرِفُوا) أي لا تجاوزوا الحلال إلى الحرام (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) أي يبغضهم لأنه سبحانه قد ذمهم به ولما حثّ الله سبحانه على تناول الزينة عند كل مسجد ، وندب إليه الأكل والشرب ، ونهى عن الإسراف ، وكان قوم من العرب يحرمون كثيرا من هذا الجنس أنكر عزّ اسمه ذلك عليهم فقال : (قُلْ) يا محمد (مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) أي من حرّم الثياب التي تتزين بها الناس مما أخرجها الله من الأرض لعباده؟ والطيبات من الرزق قيل : هي المستلذات من الرزق وقيل : هي المحللات (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) قال ابن عباس. يعني أن المؤمنين يشاركون المشركين في الطيبات في الدنيا ، فأكلوا من طيبات طعامهم ، ولبسوا من جياد ثيابهم ، ونكحوا من صالح نسائهم ، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا وليس للمشركين فيها شيء (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي كما نميّز لكم الآيات ، وندلّكم بها على منافعكم وصلاح دينكم ، كذلك نفصّل الآيات (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) وفي هذه الآية دلالة على جواز لبس الثياب الفاخرة ، وأكل الأطعمة الطيبة من الحلال.
٣٣ ـ ٣٤ ـ ثم بين سبحانه المحرمات فقال : (قُلْ) يا محمد (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) أي جميع القبائح والكبائر (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي ما علن منها وما خفي ثم فصّل