نصب عن الحسن (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي في جنات اقامة وخلد وقيل هي بطنان الجنة أي وسطها عن ابن مسعود وقيل هي مدينة في الجنة وفيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى واناس حولهم والجنان حولها عن الضحاك وقيل إن عدنا أعلى درجة في الجنة وفيها عين التسنيم والجنان حولها محدقة بها وهي مغطاة من يوم خلقها الله عزوجل حتى ينزلها أهلها الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومن شاء الله وفيها قصور الدر واليواقيت والذهب فتهب ريح طيبة من تحت العرش فتدخل عليهم كثبان المسك الأبيض عن مقاتل والكلبي وروي عن النبي (ص) أنه قال عدن دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة النبيين والصديقين والشهداء يقول الله عزوجل طوبى لمن دخلك (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) رفع على الإبتداء أي ورضوان الله تعالى عنهم أكبر من ذلك كله قال الجبائي إنما صار الرضوان أكبر من الثواب لأنه لا يوجد شيء منه إلّا بالرضوان وهو الداعي إليه ، الموجب له ، ولأنه استأنفه للتعظيم كما يقول القائل اعطيتك ووصلتك ثم يقول وحسن رأيي فيك ورضاي عنك خير من جميع ذلك (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي ذلك النعيم الذي وصفت هو النجاح العظيم الذي لا شيء أعظم منه. ثم أمر سبحانه بالجهاد فقال (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ) بالسيف والقتال (وَالْمُنافِقِينَ) وجهاد المنافقين باللسان والوعظ والتخويف (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) ومعناه : واسمعهم الكلام الغليظ الشديد ولا ترق عليهم (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) أي منزلهم ومقامهم ومسكنهم جهنم يريد مأوى الفريقين (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي بئس المرجع والمأوى.
٧٤ ـ ثم أظهر سبحانه أسرار المنافقين فقال (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) يعني أنهم حلفوا كاذبين ما قالوا ما حكى عنهم ، ثم حقّق عليهم ذلك وأقسم سبحانه بأنهم قالوا ذلك لأن اللام في (وَلَقَدْ قالُوا) لام القسم و (كَلِمَةَ الْكُفْرِ) كل كلمة فيها جحد لنعم الله تعالى وكانوا يطعنون في الإسلام (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) أي بعد إظهار اسلامهم ، يعني ظهر كفرهم بعد أن كان باطنا (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) همّوا بقتل النبي (ص) ليلة العقبة والتنفير بناقته (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) معناه : أنهم عملوا بضدّ الواجب ، فقابلوا النعمة بالكفران وكان من حقهم أن يقابلوها بالشكر (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ) أي فإن يتب هؤلاء المنافقون ويرجعوا إلى الحق يكن ذلك خيرا لهم في الدنيا والآخرة ، فإنهم ينالون بذلك رضا الله ورسوله والجنة (وَإِنْ يَتَوَلَّوْا) أي يعرضوا عن الرجوع إلى الحق وسلوك الطريق المستقيم (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً) مؤلما (فِي الدُّنْيا) بما ينالهم من الحسرة والغم وسوء الذكر (وَ) في (الْآخِرَةِ) بعذاب النار (وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي ليس لهم في الأرض (مِنْ وَلِيٍ) أي محبّ (وَلا نَصِيرٍ) ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله.
٧٥ ـ ٧٨ ـ ثم أخبر سبحانه عنهم فقال (وَمِنْهُمْ) أي من جملة المنافقين الذين تقدّم ذكرهم (مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ) أي لئن أعطانا من رزقه (لَنَصَّدَّقَنَ) أي لنتصدقن على الفقراء (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) بإنفاقه في طاعة الله ، وصلة الرحم ، ومواساة أهل الحاجة (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي اعطاهم ما اقترحوه ، ورزقهم ما تمنّوه من الأموال (بَخِلُوا بِهِ) أي شحّت نفوسهم عن الوفاء بالعهد ، ومنعوا حق الله منه (وَتَوَلَّوْا) عن فعل أمرهم الله به (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن دين الله تعالى (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) أي فأورثهم بخلهم بما أوجبوا لله تعالى على أنفسهم النفاق في قلوبهم ، وأدّاهم إلى ذلك كأنهم حصلوا على النفاق بسبب البخل ، وهذا كمن يقول لابنه اعقبك صحبة فلان ترك التعليم (إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) كقوله سبحانه : (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ). وهذا اخبار من الله تعالى عن هؤلاء المنافقين