الذي ضربه وذكره بأنه (ساءَ مَثَلاً) أي بئس مثلا مثل (الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ومعناه : بئست الصفة المضروب فيها المثل ، أو قبح حال المضروب فيه المثل (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) أي وإنما نقصوا بذلك أنفسهم لأن عقاب ما يفعلونه من المعاصي يحلّ بهم ، والله سبحانه لا يضرّه كفرهم ومعصيتهم ، كما لا ينفعه إيمانهم وطاعتهم (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) من يهده الله إلى نيل الثواب كما يهدي المؤمن إلى ذلك وإلى دخول الجنة فهو المهتدي للإيمان والخير (وَمَنْ يُضْلِلْ) الله عن طريق الجنة وعن نيل الثواب عقوبة على كفره وفسقه (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) خسروا الجنة ونعيمها ، وخسروا أنفسهم.
١٧٩ ـ ١٨١ ـ (وَلَقَدْ ذَرَأْنا) أي خلقنا (لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) يعني خلقناهم على ان عاقبتهم المصير إلى جهنم بكفرهم وإنكارهم وسوء اختيارهم ، والمراد بالآية : كل من علم الله تعالى انه لا يؤمن ويصير إلى النار (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) الحق لأنهم لا يتدبرون أدلة الله تعالى وبيناته (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) الرشد (وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) الوعظ لأنهم يعرضون عن جميع ذلك اعراض من ليست له آلة الإدراك (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) أي هؤلاء الذين لا يتدبرون آيات الله ، ولا يستدلون بها على وحدانيته وصدق أنبيائه ، أشباه الأنعام والبهائم التي لا تفقه ولا تعلم (بَلْ هُمْ أَضَلُ) من البهائم ، فإنها إذا زجرت انزجرت ، وإذا ارشدت إلى طريق اهتدت ، وهؤلاء لكفرهم وعتوهم لا يهتدون إلى شيء من الخيرات مع ما ركّب الله فيهم من العقول الدالة على الرشاد ، الصارفة عن الفساد ، ولأن الأنعام وإن لم تكن مطيعة لم تكن عاصية ، وهؤلاء عصاة فهم أسوأ حالا منها (أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) عن آياتي وحججي ، وعن الاستدلال والاعتبار بتدبرها ، والتفكر فيها (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) أخبر سبحانه أن له الأسماء الحسنى لحسن معانيها مثل : الجواد ، والرحيم ، والرازق ، والكريم ، وانها كلها حسنة متضمنة لمعان حسنة ، فمنها ما يرجع إلى صفات ذاته : كالعالم والقادر والحي والإله والقديم والسميع والبصير ، ومنها ما هي صفات فعله : الخالق والرازق والمبدع والمحيي والمميت ، ومنها ما يفيد التنزيه ونفي صفات النقص عنه : كالغني والواحد والقدوس ونحو ذلك (فَادْعُوهُ بِها) أي بهذه الأسماء الحسنى ، ودعاؤه بها أن يقال : يا الله يا رحمن يا رحيم يا خالق السماوات والأرض (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) يصفونه بما لا يليق به ، ويسمونه بما لا يجوز تسميته به (سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) في الآخرة ، وقيل : في الدنيا والآخرة (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) أخبر سبحانه من جملة خلقه جماعة وعصبة يدعون الناس إلى توحيد الله تعالى وإلى دينه ، وهو الحق يرشدونهم إليه (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) أي وبالحق يحكمون.
١٨٢ ـ ١٨٦ ـ (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) التي هي القرآن والمعجزات الدالة على صدق النبي (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) إلى الهلكة حتى يقعوا فيه بغتة كما قال سبحانه : (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) ، وقيل : يجوز أن يريد عذاب الآخرة ، أي نقربهم إليه درجة إلى أن يقعوا فيه (وَأُمْلِي لَهُمْ) معناه : وأمهلهم ولا أعاجلهم بالعقوبة فإنهم لا يفوتونني ولا يفوتني عذابهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) أي عذابي قويّ منيع لا يمنعه مانع ، ولا يدفعه دافع ، وسماه كيدا لنزوله بهم من حيث لا يشعرون (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) معناه : أو لم يتفكر هؤلاء الكفار المكذبون بمحمد (ص) وبنبوته في أقواله وأفعاله فيعلموا أنه (ص) ليس بمجنون ، إذ ليس في