خرجت من المدينة غدوة (تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ) أي تهيء للمؤمنين مواطن (لِلْقِتالِ) معناه : تجلسهم وتقعدهم في مواضع القتال ليقفوا فيها ولا يفارقوها وذلك يوم أحد (وَاللهُ سَمِيعٌ) أي يسمع ما يقوله النبي (ص) (عَلِيمٌ) بما يضمرونه لأنهم اختلفوا فمنهم من أشار بالخروج ، ومنهم من أشار بالمقام (إِذْ هَمَّتْ) أي قصدت وعزمت (طائِفَتانِ) أي فرقتان (مِنْكُمْ) أي من المسلمين (أَنْ تَفْشَلا) أي تجبنا ، والطائفتان : هما بنو سلمة وبنو حارثة حيان من الأنصار (وَاللهُ وَلِيُّهُما) أي ناصرهما (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) في جميع أحوالهم وأمورهم.
١٢٣ ـ ١٢٦ ـ ثم بيّن الله تعالى ما فعله بهم من النصر يوم بدر فقال : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ) أيها المؤمنون (بِبَدْرٍ) بتقوية قلوبكم ، وبما أمدكم به من الملائكة ، وبالقاء الرعب في قلوب أعدائكم (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) أي ضعفاء عن المقاومة ، قليلو العدد ، قليلو العدة (فَاتَّقُوا اللهَ) أي اجتنبوا معاصيه ، واعملوا بطاعته (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي لتقوموا بشكر نعمته (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) خطاب للنبي (ص) أي إذ تقول يا محمد للمؤمنين من أصحابك (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) هو اخبار بأن النبي (ص) قال لقومه ألن يكفيكم يوم بدر أن جعل ربكم ثلاثة آلاف من الملائكة مددا لكم؟ (مُنْزَلِينَ) أنزلهم الله من السماء إلى الأرض لنصرتكم (بَلى) تصديق للوعد ، أي يفعل كما وعدكم ويزيدكم (إِنْ تَصْبِرُوا) معناه : إن صبرتم على الجهاد وعلى ما أمركم الله تعالى (وَتَتَّقُوا) معاصي الله ، ومخالفة رسوله (ص) (وَيَأْتُوكُمْ) يعني المشركين إن رجعوا إليكم (مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) معناه : من غضبهم هذا وكانوا قد غضبوا يوم أحد ليوم بدر مما لقوا ، فهو من فور الغضب وهو غليانه (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) أي يعطكم مددا لكم ونصرة ، وإنما قال ذلك لأن الكفار في غزوة أحد ندموا بعد انصرافهم لم لم يغزوا المدينة وهمّوا بالرجوع ، فأوحى الله إلى نبيّه (ص) أن يأمر أصحابه بالتهيء للرجوع إليهم ، فأخذوا في الجهاد وخرجوا يتبعون الكفار على ما كان بهم من الجراح فأخبر المشركين من مرّ برسول الله أنه خرج يتبعكم ، فخاف المشركون ان رجعوا أن تكون الغلبة للمسلمين ، واسرعوا في الذهاب إلى مكة ، وكفى الله المسلمين (مُسَوِّمِينَ) معلّمين ، كانوا أعلموا بالصوف في نواصي الخيل وأذنابها (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) أي جعل الله الإمداد والوعد به بشرى لكم : أي بشارة لكم لتستبشروا به (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) أي ولتسكن قلوبكم فلا تخافوا كثرة عدد العدو ، وقلة عددكم (وَمَا النَّصْرُ) أي وما المعونة (إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) ومعناه : أن الحاجة إلى الله تعالى لازمة في المعونة وإن أمدكم بالملائكة فلا استغناء لكم عن معونته طرفة عين في تقوية قلوبكم ، وخذلان عدوكم بضعف قلوبهم إلى غير ذلك (الْعَزِيزِ) أي القادر على انتقامه من الكفّار بأيدي المؤمنين (الْحَكِيمِ) في تدبيره.
١٢٧ ـ ١٢٨ ـ (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) معناه : أعطاكم الله هذا النصر ، وخصّكم به ليقطع طائفة من الذين كفروا بالأسر والقتل (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) معناه : أو يخزيهم بالخيبة مما أملوا من الظفر بكم (فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) لم ينالوا مما أملوا شيئا (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) التقدير : ليقطع طرفا منهم ، أو يكبتهم ، أو يتوب عليهم ، أو يعذبهم فإنهم قد استحقوا العذاب ، وليس لك أي ليس إليك من هذه الأربعة شيء وذلك إلى الله تعالى (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) معناه : يقبل توبتهم إذا تابوا كقوله : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ) (أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) أي يعذبهم الله تعالى ان لم يتوبوا (فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) أي مستحقون للعذاب بظلمهم.