خَلائِفَ) أي جعلنا الذين نجوا مع نوح خلفاء لمن هلك بالغرق وقيل : انهم كانوا ثمانين (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي اهلكنا باقي أهل الأرض أجمع لتكذيبهم لنوح (ع) (فَانْظُرْ) أيها السامع (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) أي المخوفين بالله وعذابه ، أي كيف اهلكهم الله.
٧٤ ـ ٧٨ ـ ثم بيّن سبحانه قصة من بعثه بعد نوح فقال (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ) أي من بعد نوح واهلاك قومه (رُسُلاً) يريد إبراهيم وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا (إِلى قَوْمِهِمْ) الذين كانوا فيهم بعد أن تناسلوا وكثروا (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي فأتوهم بالبراهين والمعجزات الدالة على صدقهم ، الشاهدة بنبوتهم (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) أي لم يكونوا ليصدقوا ، يعني أولئك الأقوام الذين بعث إليهم الرسل بما كذبت به اوائلهم الذين هم قوم نوح ، أي كانوا مثلهم في الكفر والعتو (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) أي نجعل على قلوب الظالمين لنفوسهم الذين تعدوا حدود الله سمة وعلامة على كفرهم يلزمهم الذم بها ويعرفهم بها الملائكة كما فعلنا ذلك بقلوب هؤلاء الكفار وقد مرّ معنى الطبع والختم فيما تقدم (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي من بعد الرسل (مُوسى وَهارُونَ) (ع) نبيين مرسلين (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي ورؤساء قومه (بِآياتِنا) أي بأدلتنا ومعجزاتنا (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الإنقياد لها ، والإيمان بها (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) عاصين لربهم ، مستحقين للعقاب الدائم (فَلَمَّا جاءَهُمُ) أي جاء قوم فرعون (الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) يعني ما أتى به موسى من المعجزات والبراهين (قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) أي ظاهر (قالَ مُوسى) لهم (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا) أي اتقولون لمعجزاته سحر والسحر باطل ، والمعجز حق ، وهما متضادان (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) أي لا يظفرون بحجة ولا يأتون على ما يدعونه ببينة وإنما هو تمويه على الضعفة (قالُوا) يعني قال فرعون وقومه لموسى (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أي لتصرفنا عن ذلك (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) أي الملك عن مجاهد وقيل : العظمة والسلطان ، والأصل : ان الكبرياء استحقاق صفة الكبر في أعلى المراتب (فِي الْأَرْضِ) أي في أرض مصر وقيل أراد اسم الجنس والمراد به الإنكار وإن كان اللفظ لفظ الإستفهام. تعلقوا بالشبهة في أنهم على رأي آبائهم وإن من دعاهم إلى خلافه فظاهر أمره أنه يريد التأمر عليهم فلم يطيعوه (وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) أي بمصدقين فيما تدّعيانه من النبوة.
٧٩ ـ ٨٢ ـ (وَقالَ فِرْعَوْنُ) حكى الله سبحانه عن فرعون أنه حين اعجزه المعجزات التي ظهرت لموسى (ع) ، ولم يكن له في دفعها حيلة قال لقومه (ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) بالسحر بليغ في عمله ، وإنما طلب فرعون كل ساحر ليتعاونوا على دفع ما أتى به موسى ، وحتى لا يفوته شيء من السحر بتأخر بعضهم وإنما فعل ذلك للجهل بأن ما أتى به موسى من عند الله وليس بسحر وبعد ذلك علم أنه ليس بسحر فعاند كما قال سبحانه (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) وقيل انه علم أنه ليس بسحر ولكنه ظنّ أن السحر يقاربه مقاربة تشبيه (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ) الذين طلبهم فرعون ، وأمر بإحضارهم وموسى حاضر (قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) وفي الكلام حذف يدلّ عليه الظاهر وتقديره فلما أتوه بالسحرة وبالحبال والعصي قال لهم موسى القوا ما انتم ملقون أي اطرحوا ما جئتم به وقيل معناه : افعلوا ما انتم فاعلون وهذا ليس بأمر بالسحر ولكنه قال ذلك على وجه التحدي والإلزام أي من كان عنده ما يقاوم المعجزات فليلقه وقيل انه أمر على الحقيقة بالإلقاء ليظهر بطلانه وإنما لم يقتصر على قوله القوا لأنه أراد ألقوا جميع ما انتم ملقون في المستأنف فلو اقتصر على ألقوا ما أفاد هذا المعنى والإلقاء إخراج الشيء عن اليد إلى جهة الأرض ويشبّه بذلك قولهم