الذين يعدون الفساد صلاحا (هُمُ الْمُفْسِدُونَ) وهذا تكذيب من الله تعالى لهم (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) يعلمون ما يستحقونه من العقاب.
١٣ ـ المراد بالآية (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) صدّقوا بمحمد (ص) كما صدق عبد الله بن سلام ومن آمن معه من اليهود قالوا : أنصدق كما صدق الجهال؟ ثم كذبهم الله تعالى وحكم عليهم بأنهم هم الجهال في الحقيقة ، لأن الجاهل إنما يسمى سفيها لأنه يضيع من حيث يرى أنه يحفظ ، فكذلك المنافق يعصي ربه من حيث يظن أنه يطيعه.
١٤ ـ (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني أن المنافقين إذا رأوا المؤمنين قالوا : آمنا أي صدقنا نحن بما أنزل على محمد (ص) كما صدقتم أنتم (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) هم اليهود الذين أمروهم بالتكذيب (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) أي على دينكم (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) أي نستهزىء بأصحاب محمد (ص) ، ونسخر بهم في قولنا آمنا.
١٥ ـ قوله (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) يجازيهم على استهزائهم ، والعرب تسمي الجزاء على الفعل باسمه ، وفي التنزيل : وجزاء سيئة سيئة مثلها ، وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يريد أن يملي لهم ليؤمنوا وهم مع ذلك متمسكون بطغيانهم وعمههم.
١٦ ـ أشار إلى من تقدم ذكرهم من المنافقين فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) ومعناه : استبدلوا الكفر بالإيمان وقوله : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) أي خسروا في استبدالهم الكفر بالإيمان ، والعذاب بالثواب وقوله : (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) أي مصيبين في تجارتهم كأصحاب محمد.
١٧ ـ (مَثَلُهُمْ) أي مثل هؤلاء المنافقين لما أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) أي أوقد نارا ، أو كمثل الذي طلب الضياء بإيقاد النار في ليلة مظلمة فاستضاء بها واستدفأ ورأى ما حوله ، فاتقى ما يحذر ويخاف وأمن ، فبينا هو كذلك إذ أطفئت ناره فبقي مظلما خائفا متحيرا ، كذلك المنافقون لما أظهروا كلمة الإيمان واستناروا بنورها ، واعتزّوا بعزّها فناكحوا المسلمين ووارثوهم ، وأمنوا على أموالهم وأولادهم ، فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف ، وبقوا في العذاب ، وذلك معنى قوله : (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ومعنى إذهاب الله نورهم : هو أن الله تعالى يسلبهم ما أعطوا من النور مع المؤمنين في الآخرة وذلك قوله تعالى فيما أخبر عنهم : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً).
١٨ ـ قال قتادة : صم لا يسمعون الحق ، بكم ، لا ينطقون به ، عمي : لا يبصرونه ، فهم لا يرجعون عن ضلالتهم ولا يتوبون وإنما شبّههم الله بالصم لأنهم لم يحسنوا الإصغاء إلى أدلة الله تعالى فكأنهم صم ، وإذا لم يقروا بالله وبرسوله فكأنهم بكم ، وإذا لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض فكأنهم عمي.
١٩ ـ مثل هؤلاء المنافقين في جهلهم وشدة تحيرهم (كَصَيِّبٍ) أي كأصحاب مطر (مِنَ السَّماءِ) أي منزل من السماء (فِيهِ) أي في هذا المطر (ظُلُماتٌ) لأن السحاب يغشي الشمس بالنهار ، والنجوم بالليل فيظلم الجو (وَرَعْدٌ) هو صوت اصطكاك أجرام السحاب.
قوله : (وَبَرْقٌ) قيل : انه نار تنقدح من اصطكاك الاجرام ، وفي تأويل الآية وتشبيه المثل أقوال (أحدها) انه مثل للدنيا ، شبّه ما من الشدة والرخاء بالصيب الذي يجمع نفعا وضررا ، وان المنافق يدفع عاجل الضرر ولا يطلب آجل النفع (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) أنه عالم بهم فيعلم سرائرهم ويطلع نبيّه على ضمائرهم.