٣٠ ـ أذكر يا محمد (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) انه خطاب لجميع الملائكة (إِنِّي جاعِلٌ) أي (فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) أراد بالخليفة آدم (ع) فهو خليفة الله في أرضه يحكم بالحق وقوله : (قالُوا) يعني الملائكة لله تعالى (أَتَجْعَلُ فِيها) أي في الأرض (مَنْ يُفْسِدُ فِيها) بالكفر والمعاصي ومعنى قولهم : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) : نتكلم بالحمد لك ، والنطق بالحمد لله تسبيح له كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ، وقيل معنى نسبح بحمدك نصلي لك ، وقوله (وَنُقَدِّسُ لَكَ) أي ننزهك عما لا يليق بك من صفات النقص ، ولا نضيف إليك القبائح (قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) أراد به ما اختص الله تعالى بعلمه من تدبير المصالح.
٣١ ـ ثم أبان سبحانه وتعالى لملائكته فضل آدم عليهم وعلى جميع خلقه بما خصه به من العلم ، فقال سبحانه وتعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) أي علمه معاني الأسماء إذ الأسماء بلا معان لا فائدة فيها ، وقيل : إنه سبحانه علمه جميع الأسماء ، والصناعات ، وعمارة الأرضين ، والأطعمة ، والأدوية ، واستخراج المعادن وغرس الأشجار ومنافعها ، وجميع ما يتعلق بعمارة الدين والدنيا وقوله : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) عن مجاهد قال : عرض أصحاب الأسماء ، وأراد به انكم إذا عجزتم عن معرفة هذه الأشياء مع مشاهدتكم لها فأنتم عن معرفة الأمور المغيبة عنكم أعجز فقال : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ليدلهم على أنهم إذا لم يعلموا باطن ما شاهدوا ، فهم من أن يعلموا باطن ما غاب عنهم أبعد.
٣٢ ـ ثم أخبر سبحانه عن الملائكة بالرجوع إليه ، والتسليم لأمره فقال : (قالُوا) أي الملائكة (سُبْحانَكَ) أي تنزيها وتعظيما عن أن يعلم الغيب أحد سواك (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) لا نعلم إلّا بتعليمك ، وليس هذا فيما علمتنا (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) أي العالم بجميع المعلومات ، (الْحَكِيمُ) معناه المحكم لأفعاله ، ومعناه : إن أفعاله كلها حكمة وصواب وليس فيها تفاوت ، ولا وجه من وجوه القبح.
٣٣ ـ ثم خاطب الله تعالى آدم فقال : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ) أي أخبر الملائكة (بِأَسْمائِهِمْ) يعني بأسماء الذين عرضهم عليهم (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ) يعني أخبرهم آدم (بِأَسْمائِهِمْ) أي بإسم كل شيء ومنافعه ومضاره ، قال الله تعالى للملائكة : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) الألف للتنبيه وإن كان أصلها الاستفهام كقول القائل : (أما ترى اليوم ما أطيبه) لمن يعلم ذلك (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي أعلم ما غاب فيهما عنكم فلم تشاهدوه ، كما أعلم ما حضركم فشاهدتموه (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) أراد أعلم سرّكم وعلانيتكم.
٣٤ ـ ثم بين سبحانه ما آتاه آدم (ع) من الإعظام والإجلال والإكرام فقال : واذكر يا محمد (إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) والظاهر يقتضي أن الأمر بالسجود له كان لجميع الملائكة حتى جبرائيل وميكائيل لقوله : فسجد الملائكة كلهم أجمعون (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) قيل معناه : كان كافرا في الأصل ، وقيل معناه : صار من الكافرين كقوله تعالى : فكان من المغرقين.
٣٥ ـ ثم ذكر الله سبحانه ما أمر به آدم (ع) بعد أن أنعم عليه بما اختصه من العلوم فقال عزّ اسمه : (وَقُلْنا) وهذه نون الكبرياء والعظمة لا نون الجمع (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) أي اتخذ أنت وامرأتك الجنة مسكنا ومأوى لتأوي إليه وتسكن فيه أنت وامرأتك (وَكُلا) اباحة ، وقوله : (وَلا تَقْرَبا) تعبد بالاتفاق ، قوله : (وَكُلا مِنْها رَغَداً) أي كلا من الجنّة كثيرا واسعا لا عناء فيه (حَيْثُ شِئْتُما) منها (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) أي لا تأكلا منها إنه نهي التنزيه دون التحريم كمن يقول لغيره : لا تجلس على الطريق وان آدم كان مندوبا إلى ترك التناول من الشجرة وقوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)