النظر والإعتبار والإنقياد للحق بالإختيار (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أي ممن هو في مثل حالهم من أسلافهم (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) ويعلمون أنه حق ويعاندون فيحرفونه وقوله : (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) معناه : أنهم غيروه من بعد ما فهموه فانكروه عنادا (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنهم يحرفونه ، أي يغيّرونه.
٧٦ ـ ثم ذكر الله سبحانه خصلة أخرى من خصالهم الذميمة فقال (وَ) هم الذين (إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) أي رأوهم (قالُوا آمَنَّا) أي صدقنا بمحمد أنه نبي صادق نجده في كتابنا بنعته وصفته وبما صدقتم به ، واقررنا بذلك ، اخبر الله تعالى عنهم أنهم تخلقوا بأخلاق المنافقين ، وتحلوا بحليتهم ، واستنوا بسنتهم (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) أي إذا خلا بعض هؤلاء اليهود الذين وصفهم الله إلى بعض منهم فصاروا في خلاء وهو الموضع الذي ليس فيه غيرهم (قالُوا) يعني قال بعضهم لبعض (أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) أي لا تقروا بأنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه ، وأنه النبي الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا ، اجحدوه ولا تقروا لهم به ، وقوله : (لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) أي ليكون لهم الحجة عليكم عند الله في الدنيا والآخرة في إيمانهم بالنبي (ص) إذ كنتم مقرين به ، ومخبرين بصحة أمره من كتابكم وقوله (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي أفلا تفقهون أيها القوم ان اخباركم محمدا وأصحابه بما تخبرونهم به من وجود نعت محمد في كتبكم حجة عليكم عند ربكم ، يحتجون بها عليكم.
٧٧ ـ (أَوَلا يَعْلَمُونَ) يعني اليهود (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) يعلم سرّهم وعلانيتهم.
٧٨ ـ (وَمِنْهُمْ) يعني ومن هؤلاء اليهود الذين قص الله قصصهم في هذه الآيات ، وقطع الطمع عن إيمانهم (أُمِّيُّونَ) أي غير عالمين بمعاني الكتاب ، يعلمونها حفظا وتلاوة لا رعاية ودراية وفهما لما فيه.
وقوله : (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) أي لا يعلمون ما في الكتاب الذي أنزل الله عزوجل ، ولا يدرون ما أودعه الله إياه من الحدود والأحكام والفرائض (إِلَّا) بمعنى لكن (أَمانِيَ) أي قولا يقولونه بأفواههم كذبا (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) معناه أنهم يشكون.
٧٩ ـ ثم عاد سبحانه إلى ذكر علماء اليهود فقال (فَوَيْلٌ) قال ابن عباس : الويل في الآية العذاب انه واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره وقوله : (لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ) معناه : يتولون كتابته ثم يضيفونه إلى الله سبحانه فاعلمنا الله سبحانه أنهم يكتبونه بأيديهم ويقولون : هو من عند الله وقد علموا يقينا أنه ليس من عنده وقوله : (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) يريد ليأخذوا به ما كانوا يأخذونه من عوامهم من الأموال (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) أي عذاب لهم ، وخزي لهم ، وقبح لهم ، مما فعلوا من تحريف الكتاب (وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) من المعاصي.
٨٠ ـ (وَقالُوا) أي قالت اليهود (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) أي لن تصيبنا (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) معناه : أياما قلائل كقوله : (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) ، قال الله سبحانه : قل يا محمد لهم (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) أي موثقا أنه لا يعذبكم إلّا هذه المدة وعرفتم ذلك بوحيه وتنزيله ، فإن كان ذلك فالله سبحانه لا ينقض عهده وميثاقه (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ) الباطل جهلا منكم به ، وجرأة عليه (ما لا تَعْلَمُونَ).
٨١ ـ ٨٢ ـ ردّ الله تعالى على اليهود قولهم لن تمسنا النار إلّا أياما معدودة فقال (بَلى) أي ليس الأمر كما قالوا ولكن (مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) هي الذنوب التي أوعد الله عليها النار