أنهم منصورون ، وأن أهل الكتاب لا يقدرون عليهم ، ولا ينالهم من جهتهم مضرّة إلّا أذى من جهة القول وهو ما كانوا يسمعون المؤمنين من الكلام المؤذي (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ) أي وان يجاوزوا عن الإيذاء باللسان إلى القتال والمحاربة (يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) منهزمين (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) أي ثم لا يعاونون لكفرهم ، ففي هذه الآية دلالة على صحة نبوّة نبينا (ص) لوقوع مخبره على وفق خبره ، لأن يهود المدينة من بني قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر الذين حاربوا النبي والمسلمين لم يثبتوا لهم قطّ وانهزموا ، ولم ينالوا من المسلمين إلا بالسب والطعن (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) أي أثبتت عليهم الذلة وأنزلت بهم ، وجعلت محيطة بهم وقيل معناه : فرضت عليهم الجزية والهوان فلا يكونون في موضع إلّا بالجزية وقد أدركهم الإسلام وهم يؤدون الجزية للمجوس (أَيْنَ ما ثُقِفُوا) أي وجدوا (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) أي بعهد من الله (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) أي وعهد من الناس على وجه الذمة وغيرها من وجوه الأمان (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) أي رجعوا بغضب الله الذي هو عقابه ولعنه (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) أي الذلة لأن المسكين لا يكون إلا ذليلا ، فسمى الذلة مسكنة. وتمام الآية مفسّر في سورة البقرة.
١١٣ ـ ١١٤ ـ (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ومعناه : ليس الذين ذكرنا من أهل الكتاب سواء (أُمَّةٌ قائِمَةٌ) كعبد الله بن سلام وأصحابه ، والذين لم يؤمنوا سواء في الدرجة والمنزلة ، وقوله أمة قائمة فيه وجوه (أحدها) أن معناه : جماعة ثابتة على أمر الله (وثانيها) عادلة (وثالثها) قائمة بطاعة الله (ورابعها) أي ذو طريقة مستقيمة (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ) يقرأون كتاب الله وهو القرآن (آناءَ اللَّيْلِ) ساعاته وأوقاته (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) أراد السجود المعروف في الصلاة وقيل معناه : يصلون فعبّر بالسجود عن الصلاة ، لأن السجود أبلغ الأركان في التواضع (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي بتوحيده وصفاته (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) المتأخر عن الدنيا ، يعني البعث يوم القيامة (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بالإقرار بنبوة محمد (ص) (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) عن انكار نبوته (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) أي يبادرون إلى فعل الخيرات والطاعات خوف الفوات بالموت (وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي من جملتهم وفي عدادهم. وفي هذه الآية دلالة على عظم موقع صلاة الليل من الله تعالى ، وقد صحّ عن النبيّ (ص) أنه قال : ركعتان يركعهما العبد في جوف الليل الأخير خير له من الدنيا وما فيها ، ولولا أني أشق على أمتي لفرضتها عليهم.
١١٥ ـ (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) أي من طاعة (فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) أي لم يمنع عنكم جزاؤه ومعناه : لا تجحد طاعتكم ، ولا تستر بمنع الجزاء (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) أي بأحوالهم فيجازيهم ، وإنما خصّ المتقين بالذكر وإن كان عليما بالكل لأن الكلام اقتضى ذكر جزاء المتقين فنبه بذلك على انه لا يضيع شيئا من عملهم قلّ أم كثر لأن المجازي عليم بكل ذلك.
١١٦ ـ ١١٧ ـ لما تقدم وصف المؤمنين عقّبه سبحانه ببيان حال الكافرين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ورسوله (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ) أي لن تدفع عنهم (أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ) عذاب (اللهِ شَيْئاً) وإنما خصّ الأموال والأولاد بالذكر لأن هذين معتمد الخلق وأعزّ الأشياء عليهم ، فإذا لم يغنيا عن الإنسان شيئا فغيرهما غناؤه أبعد (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) أي ملازموها (هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي دائمون ثم ضرب مثلا لإنفاقهم فقال : (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ) أي شبه ما ينفقون من أموالهم (فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا) قيل : هو ما ينفقون على الكفّار في عداوة الرسول ، وقيل : هو ما أنفقه أبو سفيان وأصحابه ببدر وأحد لما تظاهروا على النبي (ص) ، وقيل : هو