أي ليس كذلك كما يظنون ، بل ذلك البخل شر لهم (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) معناه : يجعل ما بخل به من المال طوقا في عنقه ، والآية نزلت في مانعي الزكاة (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) معناه : يموت من في السماوات والأرض ويبقى تعالى هو جلّ جلاله لم يزل ولا يزال ، فيبطل ملك كل مالك إلا ملكه ، وقد تضمنت الآية الحثّ على الإنفاق ، والمنع عن الإمساك (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) هذا تأكيد للوعد والوعيد في إنفاق المال لإحراز الثواب ، والأجر والسلامة من الإثم والوزر.
١٨١ ـ ١٨٢ ـ ثم ذكر سبحانه خصلة أخرى من خصالهم الذميمة فقال سبحانه : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا) معناه : علم ذلك (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ) أي ذو حاجة لأنه يستقرض منا (وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) عن الحاجة وقد علموا أن الله لا يطلب القرض وإنما ذلك تلطيف في الإستدعاء إلى الإنفاق ، وإنما قالوه تلبيسا على عوامهم (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) معناه : سنحفظ ما قالوا ، وكنّى بالكتابة عن الحفظ لأنه طريق إلى الحفظ (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) أي وسنكتب قتل أسلافهم الأنبياء ، ورضى هؤلاء به ، فنجازي كلا بفعله ، وفيه دلالة على ان الرضا بفعل القبيح يجري مجراه في عظم الجرم (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) والفائدة فيه أن يعلم أن العذاب بالنار التي تحرق ، وهي الملتهبة لأن ما لم تلتهب لا يسمى حريقا (ذلِكَ) إشارة إلى ما سبق ، أي ذلك العقاب (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) معناه : بما كنتم عملتموه وجنيتموه على أنفسكم (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي بأن الله لا يظلم أحدا من عباده.
١٨٣ ـ ١٨٤ ـ ثم ذكر قولهم الآخر فقال : (الَّذِينَ قالُوا) لنبيّهم (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) أي أمرنا على السن رسله (أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ) أي لا نصدق رسولا فيما يقول : من أنه جاء به من عند الله تعالى (حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ) أي حتى يجيئنا بما يتقرب به إلى الله من صدقة أو بر تتقبل منه ، وقوله : (تَأْكُلُهُ النَّارُ) بيان لعلامة التقبّل ، فإنه كان علامة قبول قربانهم أن تنزل النار من السماء فتأكله ، يكون ذلك دلالة على صدق المقرّب (قُلْ) يا محمد لهؤلاء اليهود (قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي) يعني جاء أسلافكم (بِالْبَيِّناتِ) أي بالحجج الدالة على صدقهم ، وصحة رسالتهم ، وحقيقة قولهم ، كما كنتم تقترحون وتطلبون منهم (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) معناه : وبالقربان الذي قلتم (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ) أراد بذلك زكريا ويحيى وجميع من قتلهم اليهود من الأنبياء ، يعني لم قتلتموهم وأنتم مقرّون بأن الذي جاؤوكم به من ذلك كان حجة لهم عليكم؟ (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيما عهد إليكم مما ادعيتموه. وهذا تكذيب لهم في قولهم. ودلالة على عنادهم ، وعلى أن النبي (ص) لو أتاهم بالقربان المتقبل كما أرادوه لم يؤمنوا به كما لم يؤمن آباؤهم بالأنبياء الذين أتوا به وبغيره من المعجزات (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) هذا تسلية للنبي (ص) في تكذيب الكفار إياه ، وذلك بأنه تعالى أخبر بأنه ليس بأول مكذب من الرسل بل كذب قبله رسل (جاؤُ بِالْبَيِّناتِ) أي بالمعجزات الباهرات (وَالزُّبُرِ) أي الكتب التي فيها الحكم والزواجر (وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) قيل : المراد به التوراة والإنجيل ، لأن اليهود كذبت عيسى وما جاء به من الإنجيل ، وحرّفت ما جاء به موسى من صفة النبي (ص) ، وبدّلت عهده إليهم فيه ، والنصارى أيضا جحدت ما في الإنجيل من نعته ، وغيّرت ما أمرهم به فيه ، والمنير : الهادي إلى الحق.
١٨٥ ـ ثم بيّن سبحانه أن مرجع الخلق إليه فيجازي المكذبين رسله على أعمالهم من حيث حتم الموت على