فنظر الإمام عليهالسلام إلى الأسديّين وقال لهما : لا خير في العيش بعد هؤلاء! فقالا له : خار الله لك. فقال : رحمكما الله.
وعلم أنّه قد عزم على المسير قدما ، ولم يعلم أنّه أعلن خبر مقتل مسلم إعلانا عامّا. وانتظر حتّى إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه : أكثروا من حمل الماء. فاستقوا وأكثروا. ثمّ ساروا (١).
وفي زبالة :
وكان عليهالسلام لا يمرّ بأهل ماء من مياه العرب إلّا اتّبعه الأعراب منهم ، وإنّما كانوا يتّبعونه ؛ لأنّهم ظنّوا أنّه عليهالسلام سيقدم بلدا قد استقامت له طاعة أهله ، وقد علم أنّه إذا بيّن لهم الأمر لم يصحبه إلّا من يريد مواساته والموت معه! فكره أن يسيروا معه إلّا وهم يعلمون علام يقدمون.
ولم يعلم كيف بلغه عليهالسلام خبر مقتل رسوله عبد الله بن بقطر ، إلّا أنّه أوقف الناس وأخرج لهم كتابا وخطبهم فقال : أما بعد ؛ فقد أتانا خبر فضيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن بقطر ، وقد خذلتنا «شيعتنا»! فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ، ليس عليه منّا ذمام!
فتفرّق الناس تفرّقا فأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة.
ولما كان السحر أمر فتيانه فاستقوا وأكثروا ، ثمّ سار عليهالسلام (٢).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٣٩٧ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ٧٤ ـ ٧٥.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٣٩٨ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ٧٥ ـ ٧٦.