فلمّا رأى أنّه قد أمسى وليس معه إلّا اولئك النفر خرج متوجّها نحو أبواب كندة حتّى بلغها ومعه منهم عشرة! ثمّ خرج من الباب والتفت فإذا هو لا يحسّ أحدا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو ، ولا يدلّه على منزل ولا يدلّه على الطريق! فمضى على وجهه متلدّدا يتلفّت في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب (١).
مسلم في دار طوعة :
كان للأشعث بن قيس الكندي أمّ ولد تدعى طوعة ، وكان قد أعتقها ، فتزوّجها اسيد بن مالك الحضرمي فولدت له بلالا ، وكان بلال الحضرمي قد خرج مع الناس وامّه قائمة تنتظره. وخرج مسلم إلى دور بني كندة ومشى حتّى انتهى إلى باب دار هذه المرأة ، فلمّا رآها مسلم سلّم عليها! فردّت عليهالسلام ، فكأنّه عرفها من لفظها أنّها أمة ، فقال لها : يا أمة الله اسقيني ماء. فدخلت ورجعت إليه بماء فسقته فشرب وجلس ، فدخلت وأدخلت الإناء ثمّ خرجت فرأته جالسا! فقالت له : يا عبد الله! ألم تشرب! قال : بلى! قالت : فاذهب إلى أهلك! فسكت! فعادت وقالت مثل القول الأول! فسكت ، فقالت له : (اتّق) فيّ الله! سبحان الله! يا عبد الله! مرّ إلى أهلك عافاك الله ، فإنّه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا احلّه لك!
فلمّا سمع بذلك قام وقال لها : يا أمة الله! ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة! فهل لك إلى أجر ومعروف! ولعلّي مكافئك به بعد اليوم؟! فقالت : وما ذاك يا عبد الله؟! قال : أنا مسلم بن عقيل! كذبني هؤلاء القوم وغرّوني! قالت : أنت مسلم؟! قال : نعم! قالت : فادخل. فأدخلته بيتا في دارها ـ غير البيت الذي تكون هي فيه وابنها ـ وفرشت له ، وعرضت عليه العشاء ، فلم يتعشّ.
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٣٧١ عن أبي مخنف عن الشعبي ، والإرشاد ٢ : ٥٣ ـ ٥٤.