الأشعث الكندي ، والقعقاع بن شور الذّهلي ، وشبث بن ربعي التميمي ، وحجّار بن أبجر العجلي ، وشمر بن ذي الجوشن العامري الكلابي الضّبابي ، وقال لهم : أشرفوا على الناس فمنّوا أهل الطاعة بالزيادة والكرامة! وخوّفوا أهل المعصية من الحرمان والعقوبة! وأعلموهم فصول الجنود إليهم من الشام! وأمر ابن الأشعث أن يخرج في من يطيعه من كندة وحضر موت فيرفع راية أمان لمن يجيئه من الناس! وقال مثل ذلك لسائرهم وأمر كثير الحارثي الهمداني أن يخرج في من يطيعه من مذحج فيسير بالكوفة فيخذّل سائرهم عن ابن عقيل ويحذّرهم عقوبة السلطان والحرب! وحبس سائر وجوه الناس عنده استيحاشا لقلة عدد من معه من الناس!
فخرج اولئك الأشراف برايات الأمان ، وتكلّم أوّلهم كثير بن شهاب فقال : أيّها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجّلوا الشرّ ، ولا تعرّضوا أنفسكم للقتل ، فإنّ هذه جنود أمير المؤمنين يزيد! قد أقبلت! وقد أعطى الله الأمير عهدا لئن أتممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيّتكم (هذه) أن يحرّم ذريّتكم من العطاء! ويفرّق مقاتلتكم في المغازي! حتّى لا تبقى فيكم بقيّة من أهل المعصية إلّا أذاقها وبال ما جرّت أيديها! وتكلّم سائرهم بنحوه ومثله ، فكان الرجل يجيء إلى أخيه أو ابنه فيقول له : غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشرّ! انصرف ، فيذهب به! والمرأة تأتي أخاها أو ابنها فتقول : انصرف ، يكفونك الناس! وأخذ الناس يتفرّقون.
وكان شبث بن ربعي يقاتلهم وهو يقول : انتظروا بهم الليل يتفرّقوا! فقال له القعقاع بن شور الذهلي فأفرج لهم يتسرّبوا! ففعل فكان كما قال ... فما زالوا يتفرّقون ويتصدّعون حتّى أمسى ابن عقيل في المسجد وما معه إلّا ثلاثون نفسا! وصلّى المغرب فما صلّى معه إلّا ثلاثون نفسا!