وقال اليعقوبي : لمّا صار في ثنيّة المشلّل احتضر فأحضر الحصين بن نمير وقال له :
يا برذعة الحمار! لو لا (وصيّة) حبيش بن دلجة القيني لما ولّيتك! فإذا قدمت مكّة فلا يكونّن عملك إلّا الوقاف ثمّ الثقاف ثمّ الانصراف! ثمّ قال : اللهمّ إن عذّبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن معاوية وقتل أهل الحرّة! فإنّي إذن لشقيّ؟ ثمّ خرجت نفسه ، فدفن هناك. وتقدّم الحصين بهم إلى مكّة.
وجاءت امّ ولد ليزيد بن عبد الله بن زمعة فنبشت قبره وأخرجته وصلبته ، وجاءه ناس فرجموه! وبلغ الخبر الحصين بن نمير فرجع ودفنه ، ودفن معه جماعة من أهل ذلك الموضع ، وقيل : لم يدع أحدا منهم (١)! فأثبت جدارته! وكان ذلك في منتصف شهر محرم لسنة (٦٤ ه).
حصار الحصين على مكّة :
وسمع ابن الزبير بإقبال ابن نمير إليه ، فأحكم مراصد مكّة وجعل عليها المقاتلين. ونزل ابن نمير على مكّة فأرسل خيلا إلى أسفلها ، ونصب عليها العرّادات والمجانيق ، وفرض على أصحابه أن يرموا مكّة كلّ يوم بعشرة آلاف صخرة! وبدأ الحصار للعشرين من المحرّم ، فحاصروهم بقيّة المحرم وصفر وشهري الربيع يغدون للقتال ويروحون (٢).
وتغلّب الحصين على مكّة تدريجا حتّى نصب مجانيقه على جبل قعيقعان وعلى جبل أبي قبيس ، فأشكل على الطائفين ، وكان طول الكعبة في السماء ثمانية عشر ذراعا ، فأسند ابن الزبير ألواحا من الساج إلى البيت وألقى عليها فرشا
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥١.
(٢) الإمامة والسياسة ٢ : ١٢.