ونطق الفرزدق بالحّق :
روى الكشيّ عن العيّاشي عن الغلّابي البصري عن ابن عائشة عن أبيه محمّد بن عائشة : أنّ هشام بن عبد الملك حجّ في خلافة أبيه أو أخيه الوليد ، فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر الأسود فلم يقدر عليه من الزحام ، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام ومعهم الفرزدق الشاعر. فبينا هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين عليهالسلام وعليه إزار ورداء ، وهو من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجّادة كأنّها ركبة عنز! فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس عنه حتّى يستلم! هيبة منه وإجلاله له!
فقال رجل من أهل الشام لهشام : يا هشام! من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة وأفرجوا له عن الحجر؟ وقد عرفه هشام ولكنّه قال : لا أعرفه! مخافة أن يرغب فيه أهل الشام! وكان الفرزدق همّام بن غالب البصري حاضرا فقال :
لكنّي أعرفه! فالتفت إليه الشامي وقال له : من هو يا أبا فراس! فأنشأ يقول :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته |
|
والبيت يعرفه والحلّ والحرم |
هذا ابن خير عباد الله كلّهم |
|
هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم |
هذا عليّ ، رسول الله والده |
|
أمست بنور هداه تهتدي الامم |
إذا رأته قريش قال قائلها |
|
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم |
ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت |
|
عن نيلها عرب الإسلام والعجم |
يكاد يمسكه عرفان راحته |
|
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم |
يغضي حياء ويغضى من مهابته |
|
فما يكلّم إلّا حين يبتسم |
ينجاب نور الهدى عن نور غرّته |
|
كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم |
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله |
|
بجدّه أنبياء الله قد ختموا (١) |
__________________
(١) هذه تسعة أبيات أوّليّة من مجموع تسعة وعشرين بيتا استمر في سردها الكشي في رجاله وهو أقدم مصدر شيعي لهذا الخبر.