ورفع الراية رفاعة ، واستشهد آخرون :
لما قتل عبد الله بن وال قال الوليد الكناني لرفاعة بن شدّاد : أمسك رايتك ؛ قال : لا اريدها! فقيل له : مالك؟ قال : ارجعوا بنا لعلّ الله يجمعنا لشرّ يوم لهم!
فوثب عليه عبد الله بن عوف الأحمر وقال له : والله لئن انصرفت ليركبنّ أكتافنا ، فلا نبلغ فرسخا حتّى نهلك من عند آخرنا ، فإن نجا منّا ناج أخذه الأعراب وأهل القرى فتقرّبوا إليهم به فيقتل صبرا! أنشدك الله أن لا تفعل ذلك ، وهذه الشمس قد طفلت للمغيب ، وهذا الليل قد غشينا ، ونحن الآن ممتنعون فنقاتلهم على خيولنا هذه ، فإذا غسق الليل ففي أوّله نركب خيولنا فنرمي بها حتّى نصبح ، فنسير ونحن على مهل العشرة والعشرون معا ، ويحمل الرجل منا جريحه وينتظر صاحبه ، ويعرف الناس الوجه الذي يأخذون فيتبع فيه بعضهم بعضا ، ولو كان الذي ذكرت لم يعرف رجل وجهه لا أين بذهب ولا أين يسقط ، فلا نصبح إلّا ونحن بين مقتول ومأسور!
فقال له رفاعة البجلي : فإنّك نعم ما رأيت.
وأخذ أهل الشام يتنادون : إنّ الله قد أهلكهم! فأقدموا عليهم فافرغوا منهم قبل الليل.
فأخذوا يقدمون عليهم فقاتلوهم حتّى العشاء قتالا شديدا.
وقام كريب بن زيد الحميري فجمع إليه رجالا من حمير وهمدان في جماعة إن كانت أقل من مئة رجل فقلّما تنقص ، فقال لهم : عباد الله! إنّه قد بلغني أنّ طائفة منكم يريدون أن يرجعوا إلى ما خرجوا منه إلى دنياهم ، وإن هم ركنوا إلى دنياهم رجعوا إلى خطاياهم ؛ فأمّا أنا فو الله لا اوّلي هذا العدوّ ظهري حتّى أرد موارد إخواني ؛ فروحوا إلى ربّكم ، فو الله ما في شيء من الدنيا خلف من رضا الله و «التوبة» إليه. فقالوا له : رأينا مثل رأيك.