وخطبة ابن مروان في المدينة أوّلاً :
قال اليعقوبي : ولمّا استقامت اُمور البلدان لابن مروان ولم تبق ناحية بحاجة للاهتمام بها وإصلاحها ، خرج حاجّاً سنة (٧٥ هـ) فبدأ بالمدينة (١).
وقال المسعودي : فأمر بعطائهم ، فخرجت إليهم بدرة مكتوب عليها «من الصدقة»! فقالوا : أفما كان عطاؤنا من الفيء! فارتقى المنبر وقال لهم : إنّما مثلنا ومثلكم أن أخوين في الجاهلية خرجا مسافرين فنزلا في ظلّ شجرة تحت صفاة ، فلمّا دنى الرواح خرجت إليهما من تحت الصفاة حيّة تحمل ديناراً ، فقال ألقته إليهما ، فأقاما عليها ثلاثة أيّام كلّ يوم تخرج إليهما ديناراً ، فقال أحدهما لصاحبه : إلى متى ننتظر هذه الحيّة؟! ألا نقتلها ونحفر هذا الكنز فنأخذه؟ فنهاه أخوه وقال له : ما تدري لعلّك تعطب ولا تدرك المال. فأبى عليه وأخذ فأساً ورصد الحيّة لتخرج فضربها ضربة جرحت رأسهاولم تقتلها! فثارت الحيّة فقتلته ورجعت إلى جحرها. حتّى إذا كان من الغد خرجت الحيّة معصوباً رأسها! وليس معها شيء ، فقال لها : يا هذه إنّي والله ما رضيت ما أصابك ولقد نهيت أخي عن ذلك ، فهل لك أن نجعل الله بيننا أن لا تضرّيني ولا أضرّك وترجعين إلى ما كنت عليه؟! قالت الحيّة : إنّي لأعلم أنّ نفسك لا تطيب لي أبداً وأنت ترى قبر أخيك! ونفسي لا تطيب لك ابداً وانا أذكر هذه الشجّة!
فيا معشر قريش! وليكم عمر بن الخطاب فكان فظّاً غليظاً مُضيّقاً عليكم! فسمعتم له وأطعتم ، ثمّ وليكم عثمان فكان سهلاً ليّناً كريماً! فعدوتم عليه فقتلتموه! وبعثنا عليكم مسلماً (ابن عقبة الفهري) يوم الحرّة فقاتلتموه!
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٧٣.