ما عدم رجل أن يرى رجلا قد قتل أخاه وأباه وحميمه! أو رجلا لم يكن يريد قتله! فاستخيروا الله وسيروا (١).
ليس للدنيا خرجنا ، فلا ننتظر :
وقام المسيّب الفزاري إلى سليمان وقال له : رحمك الله ، إنّه لا ينفعك الكاره ، ولا يقاتل معك إلّا من أخرجته النيّة (الصادقة) فلا تنتظرنّ أحدا وأسرع في أمرك.
فقام سليمان في الناس متوكئا على قوسه العربيّة وقال لهم : أيّها الناس ؛ من كان إنّما أخرجته إرادة وجه الله وثواب الآخرة فذلك «منّا ونحن منه» ورحمة الله عليه حيّا وميّتا! ومن كان إنّما يريد الدنيا وحرثها فو الله ما نأتي فيئا نستفيئه ، ولا غنيمة نغنمها إلّا رضوان الله ربّ العالمين ، وما معنا من ذهب ولا فضة ولا خزّ ولا حرير ، ما هي إلّا سيوفنا في عواتقنا ورماحنا في أكفّنا ، وزاد قدر البلغة إلى لقاء عدوّنا ، فمن كان ينوي غير هذا فلا يصحبنا!
فقام للكلام صخير بن حذيفة المزني فقال : آتاك الله رشدك ولقّاك حجّتك ؛ والله الذي لا إله غيره ما لنا خير في صحبة من الدنيا نيّته وحمّته! ثمّ التفت إلى الناس وقال لهم : أيّها الناس ، إنّما أخرجتنا «التوبة» من «ذنبنا» والطلب بدم من نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، ليس معنا دينار ولا درهم ، وإنّما نقدم على حدّ السيوف وأطراف الرماح! وسكت.
فتنادى الناس من كلّ جانب : إنا لا نطلب الدنيا وليس لها خرجنا (٢)!
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٥٨٦ عن أبي مخنف.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٥٨٤ ـ ٥٨٥ عن أبي مخنف.