موقف ابن الحنفية :
طبيعيّ أن يكون ما فهمه المقبريّ قد فهمه غيره ولا سيّما من بني هاشم ، ومنهم أخو الحسين : محمّد بن علي المعروف بابن الحنفيّة ، وكان يعلم بحق أخيه الحسين عليهالسلام في الخلافة بشرط أخيه الحسن عليهالسلام على معاوية في عقد الصلح ، ويعرف استنكاف الحسين عليهالسلام وإباءه البيعة ليزيد على عهد معاوية ، فما دعا أخاه الحسين عليهالسلام إلى ذلك ، ولا إلى الإقامة بالمدينة وعدم خروجه منها ، وكأنّه كان يرجو اجتماع الناس عليه ويخاف من الاختلاف فيه وعليه ، فجاءه وقال له :
يا أخي ؛ أنت أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليّ ، فلست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك : تنحّ ببيعتك عن يزيد ... وانزل مكّة ، فإن اطمأنّت بك الدار فسبيل ذلك ، وإن نبت لحقت بالرمال وشعف الجبال (رؤوسها) وخرجت من بلد إلى بلد ... و (تنحّ) عن الأمصار ما استطعت ، ثمّ ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك وانظر إلى ما يصير أمر الناس ... فإن بايعوك حمدت الله على ذلك ، وإن أجمعوا على غيرك ... لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك (فلا تنازع في الأمر؟!).
فإنّي أخاف أن تدخل مصرا من هذه الأمصار (؟ البصرة والكوفة!) تأتي جماعة الناس فيختلفون فيما بينهم : فطائفة معك وأخرى عليك (كما صار إليه المصران) فيقتتلون ، فتكون لأوّل الأسنة غرضا (كما صار إليه أخونا في المدائن) فإذا خير هذه الأمّة أبا وأمّا ونفسا أذلّها أهلا وأضيعها دما! وإنّك حين تستقبل الأمور استقبالا (قبل وقوعها مفكّرا فيها ومدبّرا لها) تكون أصوب رأيا وأحزم عملا.