وحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ؛ فإنّ أمير المؤمنين أصلحه الله! ولّاني مصركم وثغركم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم! وأنا متّبع فيكم أمره ومنفّذ فيكم عهده ، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البرّ ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي! فليبق امرؤ على نفسه! الصدق ينبئ عنك لا الوعيد! ثمّ نزل.
وأحضر العرفاء إلى القصر وقال لهم : اكتبوا إليّ الغرباء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين! ومن فيكم من الحرورية (الخوارج) وأهل الريب ، الذين رأيهم الخلاف والشقاق ، فمن كتبهم لنا فبرئ ، ومن لم يكتب لنا أحدا فيضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف ، ولا يبغي علينا منهم باغ ، فمن لم يفعل برئت منه الذمّة وحلال لنا ماله وسفك دمه! وأيّما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين! أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره! والقيت تلك العرافة من العطاء! وسيّر إلى موضع من عمان الزّارة (عمان الخليج) (١) واخبر أن ابن عقيل قد قدم إلى الكوفة قبله بليلة (٢) فيكون دخول ابن زياد في السادس من شوال ، وبقاء مسلم في دار المختار لليلتين أو ثلاث فقط.
فانتقل ابن عقيل عن المختار إلى هانئ :
مرّ أن المختار الثقفي كان قد صاهر الأمير النعمان الأنصاري فكان ذلك خير ساتر على ابن عقيل ولذا اختار داره ، أمّا الآن بعد عزل النعمان وسماع ابن زياد بمحل ابن عقيل ، وسماع مسلم بأنّ ابن زياد قد علم به ، فقد اختار مسلم أن
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٣٥٨ ، والإرشاد ٢ : ٤٤ ـ ٤٥.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٣٦٠ عن النميري البصري.