فمضى برايته حتّى دنا من جموع ذي الكلاع الحميري ، فسأل عنهم فأخبروه أنّهم من حمير ، فعرض عليهم الأمان ، فأجاب كريب : إنّا كنا آمنين في الدنيا وإنّما خرجنا نطلب أمان الآخرة! ثمّ قاتلوا حتّى قتلوا رحمهمالله.
وكان صخير بن حذيفة المزني من المحرّضين على القتال ، والآن مشى في ثلاثين رجلا من مزينة وقال لهم : لا تهابوا الموت في الله فإنّه لاقيكم ، ولا ترجعوا إلى الدنيا التي خرجتم منها إلى الله فإنّها لا تبقى لكم ، ولا تزهدوا فيما رغبتم فيه من ثواب الله فإنّ ما عند الله خير لكم! فأجابوه فمشى بهم فقاتلوا حتّى قتلوا رحمهمالله. ثمّ أمسى المساء وباء أهل الشام بغضب من الله ورسوله إلى معسكرهم (١).
وارتفع رفاعة بالباقين ليلا :
ولمّا أمسى المساء ورجع أهل الشام إلى معسكرهم ، أمر رفاعة أن يدفع كلّ جريح إلى قومه ، ثمّ أمر أبا الجويرية العبدي (البصري) في سبعين فارسا معه أن يستروهم من خلفهم ويحملوا لهم كلّ حمل ساقط. ثمّ أمر بالرحيل ليلة الخامس والعشرين من جمادى الأولى ، فسار بهم الليل كلّه حتّى أصبح في التّنينير على شاطئ الخابور فهنا عبره بهم ثمّ قطع الجسر ، ثمّ قطع سائر الجسور حتّى بلغوا إلى خارج قرقيسياء ، وعلم زفر بن الحارث الكلابي بهم فأرسل إليهم أن أقيموا عندنا ما أحببتم فلكم المواساة والكرامة! فأقاموا ثلاثا ، فأرسل إليهم من لديه من الأطباء! ومن الطعام والعلف مثل ما بعث في المرّة الأولى ، ثمّ زوّدهم بما أحبّوا من الطعام والعلف.
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٦٠٣ ـ ٦٠٤ عن أبي مخنف.