فلمّا مات يزيد بن معاوية :
لم يزل هؤلاء على هذا حتّى مات يزيد لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل سنة أربع وستّين.
فجاء جماعة من «الشيعة» إلى سليمان الخزاعي وقالوا له : قد مات هذا الطاغية ، والأمر الآن ضعيف ، فإن شئت وثبنا على عمرو بن حريث فأخرجناه من القصر ـ وكان خليفة ابن زياد بالكوفة ـ ثمّ أظهرنا الطلب بدم الحسين عليهالسلام وتتبّعنا قتلته «ودعونا الناس إلى أهل هذا البيت» المستأثر عليهم و «المدفوعين عن حقّهم» فأكثروا من هذا القول ومثله.
فقال لهم سليمان الخزاعي : إنّي قد نظرت فيما تذكرون فرأيت أنّ قتلة الحسين هم أشراف أهل الكوفة ، وفرسان العرب هم المطالبون بدمه ، ومتى علموا ما تريدون وأنّهم هم المطلوبون كانوا هم أشدّ عليكم. ونظرت في من تبعني منكم فعلمت أنّهم لو خرجوا لم يدركوا «ثأرهم» ولم يشفوا أنفسهم ولم ينكوا في عدوّهم وكانوا لهم جزرا (ذبائح) ولكن بثّوا دعاتكم في المصر فادعوا إلى أمركم هذا «شيعتكم» وغيرهم ، فإنّي أرجو أن يكون الناس اليوم حيث هلك هذا الطاغية أسرع إلى أمركم استجابة منهم قبل هلاكه.
فخرجت طائفة منهم دعاة يدعون الناس ، فاستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد بن معاوية ، أضعاف من كان استجاب لهم قبل ذلك (١) ولم يزل أصحاب سليمان يدعون «شيعتهم» وغيرهم من أهل مصرهم ، حتّى كثر تبعهم ، وكان الناس بعد هلاك يزيد أسرع إلى اتباعهم منهم قبل ذلك (٢).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٥٥٩.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٥٦٠.