«أمّا بعد ، فإنّ الله اصطفى محمّدا بنبوّته على خلقه ، وخصّه بالفضل كلّه ، وأعزّكم باتّباعه وأكرمكم بالإيمان به ، فحقن به دماءكم المسفوكة ، وأمّن به سبلكم المخوفة : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(١).
فهل خلق ربّكم في الأولّين والآخرين أعظم حقّا على هذه الأمّة من نبيّها؟! وهل «ذريّة» أحد من النبيّين والمرسلين أو غيرهم أعظم حقّا على هذه الأمّة من «ذريّة» رسولها؟! لا والله ما كان ولا يكون!
لله أنتم ، ألم تروا ويبلغكم ما اجترم إلى ابن بنت نبيّكم! أما رأيتم انتهاك القوم حرمته؟ واستضعافهم وحدته! وترميلهم إيّاه بالدم وجرّهم إيّاه على الأرض! لم يرقبوا فيه ربّهم ولا قرابته من الرسول ، اتّخذوه للنبل غرضا ، وغادروه للضباع جزرا (ذبيحا) فلله عينا من رأى مثله! ولله حسين بن عليّ ماذا غادروا به ذا صدق وصبر ، وذا أمانة ونجدة وحزم! ابن «أوّل المسلمين» إسلاما وابن بنت رسول ربّ العالمين ، قلّت حماته وكثرت حوله عداته ، فقتله عدوّه و «خذله وليّه» فويل للقاتل وملامة للخاذل.
إنّ الله لم يجعل لقاتله حجّة «ولا لخاذله معذرة» إلّا أن يناصح لله في «التوبة» فيجاهد القاتلين وينابذ القاسطين ، فعسى الله عند ذلك أن يقبل «التوبة» ويقيل العثرة.
إنّا ندعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه ، و «الطلب بدماء أهل بيته» وإلى جهاد المحلّين والمارقين ، فإن قتلنا فما عند الله خير للأبرار ، وإن ظفرنا «رددنا هذا الأمر إلى أهل بيت نبيّنا» (٢).
__________________
(١) آل عمران : ١٠٣.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٥٥٩ ـ ٥٦٠ ، وهذه الخاتمة هو المبرّر الشرعي الوحيد لعملهم لو كان بإذن إمامهم يومئذ.