فبعث إليه رسولا وقال له : ادعوه لي. فلمّا أتاه الرسول قال له : هذا الحسين بن علي يدعوك. فاسترجع الجعفي وقال : والله ما خرجت من الكوفة إلّا كراهة أن يدخلها الحسين وأنا بها! والله ما أريد أن أراه ولا يراني! فعاد الرسول وأخبر الإمام بذلك ، إلّا أنّ الإمام عليهالسلام أبى إلّا أن يأتيه! فأخذ نعليه فانتعل ثمّ قام فجاءه حتى دخل فسلّم عليه ثمّ جلس ، ثمّ دعاه إلى الخروج معه ، فأعاد ابن الحرّ مقالته السابقة! فقال الإمام عليهالسلام : فإن كنت لا تنصرنا فاتّق الله أن تكون ممّن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلّا هلك! ثمّ قام من عنده (١) وعاد إلى رحله (٢).
ألسنا على الحقّ :
وفي آخر الليل أمر الإمام عليهالسلام أصحابه بالاستقاء من الماء ، فلمّا استقوا أمرهم بالرحيل فارتحلوا من قصر بني مقاتل وساروا ساعة ، وخفق الإمام عليهالسلام برأسه خفقة ثمّ انتبه فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين. قال ذلك مرّتين أو ثلاثا ، وكان إلى جانبه إبنه عليّ عليهالسلام على فرسه فأقبل إليه وقال مثل قوله ثمّ قال : يا أبة جعلت فداك ممّ حمدت الله واسترجعت؟ فقال عليهالسلام : يا بنيّ : إنّي خفقت برأسي خفقة ، فعنّ (ظهر) لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم! فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا! فقال علي : يا أبت لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحق؟! قال : بلى ، والذي إليه مرجع العباد! فقال عليّ : يا أبت إذن لا نبالي أن نموت محقّين! فقال له : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده (٣).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٠٧ عن أبي مخنف عن الشعبي ، والإرشاد ٢ : ٨١ ـ ٨٢.
(٢) وهذه هي أول مرّة نرى فيها الإمام عليهالسلام يدعو إلى نصرته بالإلزام ولا سابقة لها.
(٣) لم يعلم هل كان هذا عليّ الأكبر أو الأوسط؟ واشتهر في الأفواه أنّه الأكبر. والخبر في الطبري ٥ : ٤٠٧ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ٨٢.