قال : أنت الحرّ كما سمّتك أمّك ، أنت الحرّ إن شاء الله في الدنيا والآخرة ، انزل. قال : أنا لك فارسا خير منّي راجلا ، اقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول يصير آخر أمري. فقال الحسين : فاصنع ما بدا لك. فبدا له أن يخطبهم فعاد إليهم ، وكان ابن سعد متقدّما فكلّمه بمثل ما كلّمه من قبل فقال عمر : قد حرصت ، ولو وجدت إلى ذلك سبيلا لفعلت! فالتفت إلى الناس وقال لهم :
يا أهل الكوفة! لأمّكم الهبل والعبر (الهلاك) إذ دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه! وزعمتم أنّكم قاتلو أنفسكم دونه ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه! أمسكتم بنفسه! وأخذتم بكظمه (حلقومه) وأحطتم به من كلّ جانب! فمنعتموه التوجّه في بلاد الله العريضة حيث يأمن ويأمن أهله! فأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع ضرّا! وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري ، الذي يشربه اليهوديّ والمجوسيّ والنصرانيّ! وتتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه! وها هم أولاء صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّدا في ذرّيته! لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه في يومكم هذا وفي ساعتكم هذه!
فرماه رجّالتهم بالنبال ، فتراجع حتّى وقف أمام الإمام (١) كلّ ذلك قبل بدء القتال.
بدء القتال ومبارزة الكلبي :
كان عبد الله بن عمير الكلبي نازلا في الكوفة عند بئر الجعد من همدان ، ورأى الناس يعرضون ليسرّحوا للقتال فسأل عنهم فقيل له : يسرّحون إلى حسين بن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : والله لقد كنت حريصا على جهاد أهل
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٢٧ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ٩٩ ـ ١٠١.