مسلم في دار الإمارة ، ووصيّته :
اجتمع على باب دار الإمارة عمارة بن عقبة الأموي أخو الوليد ، وصاحب راية ابن زياد على الناس عمرو بن حريث المخزومي ، ومن أمرائه كثير بن شهاب الحارثي الهمداني ومسلم بن عمرو الباهلي ، وكأنّ ابن زياد حجبهم ينتظر خبر مسلم ، وأقبل محمّد بن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر ، وعلى الباب قلّة ماء بارد ، وكان مسلم جريحا عطشانا فلمّا رأى الماء قال لهم : اسقوني من هذا الماء. فقال له الباهلي البصري : أتراها! ما أبردها! لا والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنّم! فقال له ابن عقيل : ويحك من أنت؟ قال : أنا من عرف الحقّ إذ أنكرته! ونصح لإمامه إذ غششته! وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته! أنا مسلم بن عمرو الباهلي.
فقال مسلم : لأمّك الثكل ما أجفاك وما أفظّك وأقسى قلبك وأغلظك! أنت ـ يابن باهلة ـ أولى بالحميم والخلود في نار جهنّم منّي! ثمّ جلس واستند إلى الحائط.
وكان مع عمرو المخزومي غلامه سليمان فبعثه ليأتيه بماء ، فذهب وجاءه بقلّة ماء عليها منديل ومعه قدح ، فأمره أن يسقي مسلما فصبّ ماء في القدح وناوله ، فلمّا أراد أن يشرب منه امتلأ القدح دما ، فأراقه وملأ له القدح ، فامتلأ دما ، فأراقه وملأ له القدح ثالثة وذهب مسلم ليشرب فسقطت ثناياه فيه ، فكأنّه اكتفى ببلل شفاهه وقال : الحمد لله ، لو كان لي من الرزق المقسوم شربته.
واستأذن محمّد بن الأشعث على ابن زياد فأذن له ، فدخل عليه وأخبره خبر مسلم وجرحه وما كان منه ومن أمانه له! فقال ابن زياد : بعدا له! وما أنت والأمان! كأنّا أرسلناك تؤمّنه ، إنّما أرسلناك لتأتينا به!
ثمّ أمر بإدخال مسلم عليه ، فأدخله الحرسيّ حتى أوقفه بين يدي ابن زياد ، فلم يسلّم عليه ، فقال له الحرسيّ : ألا تسلّم على الأمير؟ قال :