أمّا بعد ، فإنّ ابن عقيل السفيه الجاهل! قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق! فبرئت ذمّة الله من رجل وجدناه في داره! ومن جاء به فله ديته! اتّقوا الله ـ عباد الله ـ والزموا بيعتكم وطاعتكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا! ثمّ التفت إلى أمير الشرطة وناداه : يا حصين بن تميم! ثكلتك أمّك إن صاح باب سكة من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به! فابعث مراصدة على أفواه السكك! وقد سلّطتك على دور أهل الكوفة! فأصبح واستبر الدور وجس خلالها حتّى تأتيني بهذا الرجل! ثمّ نزل ابن زياد ودخل القصر (١).
راية ابن حريث ، والمختار :
وكان عمرو بن حريث المخزومي مع ابن زياد ، فعقد له ابن زياد راية على الناس ، وأمره أن يقعد لهم في المسجد. ولمّا دخل ابن زياد الكوفة ودار مسلم عن دار المختار إلى دار هانئ ، كان المختار قد خرج من داره بالكوفة إلى داره في قرية لقفا من قرى الكوفة ، وبلغه خبر ظهور ابن عقيل بالكوفة ، فأقبل في مواليه إلى الكوفة فما انتهى إلى باب الفيل إلّا بعد الغروب ، بل بعد العشاء إذ عقد ابن زياد لابن حريث رايته على الناس ، فلم يعلم بمسلم ولم يلتحق براية ابن حريث.
فمرّ به هانئ الوداعي فسأله عن حاله ووقوفه؟ فقال المختار : أصبح رأيي مرتجا (مقفلا) لعظم خطيئتكم! فأقبل الوداعي إلى ابن حريث فأخبره عنه ، وكان عنده عبد الرحمن الثقفي من قبيلة المختار فقال له ابن حريث : قم إلى عمّك فأخبره أنّ صاحبه (يعني مسلما) لا يدرى أين هو ، فلا يجعلنّ على نفسه سبيلا!
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٣٧٢ ، ٣٧٣ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ٥٥ ـ ٥٧.